الرد على شبهات مَنْ أنكر عُلُوَّ الله على خلقه واستوائه على عرشه
- اللجنة العلمية لموقع دعوة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام
- 2023/11/16
- 0 تعليق
- 103 قراءة
العلم بالله هو أجل العلوم وأعلاها، وأرفعها عند الله وأزكاها، كيف لا وهو الذي يعرّف العباد بخالقهم، ويقربهم من رازقهم، ويضفي على حياتهم معنى، وعلى وجودهم فائدة وهدفًا.
ومن العلم بالله العلم بصفاته، حيث اتفق المسلمون على أن الله متصف بصفات الكمال، منزه عن صفات النقص، إلا أنهم اختلفوا في جملة من الصفات التي ورد بها الكتاب، ونطق بها الرسول صلى الله عليه وسلم، وفي مقدمة تلك الصفات التي خالف فيها البعض صفة علو الباري سبحانه واستواءه على خلقه، حيث أثبتها السلف ولم يروا في إثباتها ما يوجب نقصًا أو يخالف نصًا، ونفاها آخرون استنادًا إلى أدلة سنأتي على شرحها ومناقشها.
شبهات من أنكر استواء الله على عرشه واتصافه بالفوقية:
شبهات من نفي صفة العلو والاستواء، مردها جميعًا إلى قاعدة التنزيه، وهي القاعدة التي قضت بنفي مشابهة المخلوقين للخالق سبحانه، وتفرده في ذاته وصفاته وأفعاله، وهي قاعدة متفق عليها بين المسلمين إلا أن البعض غلا في استعمالها حتى نفى جميع أو بعض أسماء الله وصفاته.
حيث قالوا: إن الله - عز وجل - قد قال في كتابه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} وهذا نفي بإطلاق لأي مشابهة بين الخالق والمخلوق، وإثبات أن الله مستو على عرشه عال على خلقه فيه تشبيه للخالق بالمخلوق من حيث أنه يلزم مثبت الاستواء أن يثبت أن الله جسم، وأنه في جهة، وأنه محدود محصور، والله منزه عن ذلك كله فلو كان جسمًا لكان مركبًا، ولو كان مركبًا لكان بعضه محتاج إلى بعض، ولو كان في جهة ما لكان محصورًا، ولو كان محصورًا لاستوجب أن يكون هناك من حصره، وإذا كان مستو على عرشه لكان له مكان، ولو كان له مكان لكان محتاجًا إليه، والله كان ولا مكان وهو الآن على ما كان عليه.
واستندوا في تأييد مذهبهم - زيادة على ما سبق - إلى بعض النقولات والآثار الواردة في هذا الباب من ذلك ما روي:
1- \"كان الله ولا مكان، وهو على ما كان قبل خلق المكان؛ لم يتغير عما كان\".
2- حديث: \" كان الله ولا شيء غيره وكان العرش على الماء\" رواه النسائي والحاكم وصححه.
وأتوا على ما استدل به المثبتون فأولوه، وقالوا: إن المراد من العلو والفوقية في تلك النصوص هو علو الشأن والرفعة والمكانة والشرف.
تفنيد الشبهة والرد عليها:
وجوابًا على ما أوردوا، نقول:
إننا وإياكم متفقون على وجوب نفي مشابهة الخالق للمخلوق، ولكننا مختلفون في حدود هذا النفي، ونرى أن الناس فيه طرفان ووسط:
فأما الطرف الأول فاتخذ قاعدة التنزيه ذريعة لنفي كل أو أكثر الصفات الثابتة لله - عز وجل - حتى نفى الغلاة منهم أن يوصف الله بالوجود أو الحياة، فعندما يُسأل عن صفة الله لا يجد سوى النفي سبيلًا لتعريف ربه، فيقول: لا هو موجود ولا معدوم، ولا عَرَضٌ ولا جَوْهَرٌ، ولا حي ولا ميت، ويظن بذلك أنه فر من التشبيه وما علم أنه وقع في التعطيل والتشبيه معًا؛ إذ نفى صفات الله التي أخبر الله بها، وشبه الله بالمحالات والممتنعات والمعدومات.
والطرف الثاني: ألغى قاعدة التنزيه فشبه الله بخلقه تشبيها مطلقًا أو جزئيًا، وهو مذهب لا شك في بطلانه وضلاله.
والمذهب الوسط هو المذهب الحق الذي أثبت الصفات ونفى المشابهة، وهو ما تنص عليه الآية الكريمة حيث صرّحت بالتنزيه {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} وفي ذات الوقت صرّحت بالإثبات {وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} فأخذ مذهب أهل الحق بجزئي الآية، أما المذهبان السابقان فأخذ كل منهم بأحد شطري الآية - وفق فهمه - ولم يأخذ بالآخر.
وعليه، فيجب الوقوف عند حدود النفي، وحدود الإثبات، فنثبت الصفة التي أخبر بها الله سبحانه ورسوله صلى الله عليه وسلم، وننفي المماثلة، فنقول: لله علمٌ ليس كعلمنا، وسمعٌ ليس كسمعنا، واستواء ليس كاستوائنا، وهكذا.
وهو المنهج الوسط الذي سار عليه الأئمة، يقول الإمام إسحاق بن راهويه: \"إنما يكون التشبيه إذا قال: يد مثل يدي، أو سمع كسمعي، فهذا تشبيه، وأما إذا قال كما قال الله: يد وسمع وبصر، فلا يقول: كيف ولا يقول: مثل، فهذا لا يكون تشبيهًا، قال تعالى } لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ? وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}\" ذكره الترمذي في جامعه.
وأوضح هذا المنهج الوسط نعيم بن حماد الخزاعي شيخ البخاري حين قال: \"من شبه الله بخلقه فقد كفر، ومن جحد ما وصف الله به نفسه فقد كفر، وليس ما وصف الله به نفسه، ولا ما وصفه به رسوله تشبيها\" فليس تشبيها أن تثبت لله علما يليق بجلاله، وقدرة تليق بجلاله، وإرادة تليق بجلاله، واستواء يليق بجلاله، وإنما التشبيه أن تقول: علمًا كعلمنا، وقدرةً كقدرتنا، وسمعا كسمعنا، واستواءً كاستوائنا. وأما أن تثبت الصفة كما أثبتها الله مع إثبات الفارق أو نفي التشبيه، فليس تشبيهًا البتة.
أما ما ذكروه من لوازم القول بالعلو والاستواء فالجواب عنه من وجهين:
الوجه الأول: إجمالي وهو أن يقال: إن الله أخبرنا بأنه مستو على عرشه، عال على خلقه، ونحن نصدقه فيما قال، ونؤمن بما أخبر، ونسكت عما وراء ذلك، ولا نخوض في تلك اللوازم المدعاة ولا نتكلم فيها، فإنها من جملة المسكوت عنه في الشرع؛ إذ لم يرد في الشرع نفي أو إثبات أن يكون الله جسمًا، أو محدودًا، أو محصورًا، فالسكوت فيه سلامة للمرء في دينه واعتقاده.
الوجه الثاني: تفصيلي، وهو بأن نسأل عن تلك اللوازم، فنقول إن أردتم بالجسم ما هو قائم بذاته مستغن عن خلقه فذلك ما نثبته ونؤيده ونلتزم به مع عدم تسميتنا له جسمًا لكونه لم يرد في الشرع وصفه بذلك، وإن أردتم بالجسم ما زعمتم أن كل طرف فيه محتاج للطرف الآخر فذلك مما نكره وننفيه، ولكننا لا نعتقد أن نفيه يلزم منه نفي العلو. بل نرى أن قولكم: أنه من لوازم القول بالعلو ما هو إلا بسبب تشبيهكم أولًا فأنتم شبهتم استواء الله على عرشه باستواء المخلوقين، فقلتم: كل مستو فهو جسم، والله ليس بجسم، فهو ليس بمستو والمقدمة باطلة وما ترتب عليها باطل، فالله ليس كمثله شيء، واستواؤه ليس كاستواء المخلوقين.
وأما القول بأن إثبات الاستواء يدل على إثبات الجهة وأنه محصور في جهة معينة فالجواب عنه: أن لفظ الجهة لم يثبت في الكتاب والسنة، وعليه فيستفصل عن معناه، فإن أريد بالجهة المكان الوجودي المخلوق فالله ينزه عنه اتفاقًا، فالله لا يحل في شيء من مخلوقاته ولا يتحد بها، وإن أريد بالجهة المكان الاعتباري العدمي فهذا ما يثبته أهل السنة. ولا يعتقدون في إثباته ما يخالف حقًا ثابتًا، ولا ما يوجب نقصًا في حق الخالق سبحانه، بل إثبات الجهة بهذا المعنى ضرورة عقلية كما سبق بيانه في الأدلة العقلية.
أما الحدُّ فهو لم يرد – كذلك – نفيه أو إثباته في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وعليه فيستفصل عن معناه فإن أريد بنفي الحدِّ أن الله لا تحصره المخلوقات، ولا يحلُّ فيها، فهذا المعنى صحيح، لا إشكال فيه، بل لا يجوز أن تكون فيه منازعة، وإن أريد بالحد أن العباد عاجزون عن إدراك حقيقته وحده، فهذا أيضا حق نثبته، وأما إن أريد بنفي الحد أنه ليس مبايناً للخلق، ولا منفصلًا عنهم، ولا داخل العالم ولا خارجه، فهذا هذيان ننكره ولا نثبته، بل نرى أن القول به يؤدي إلى نفي وجود الرب، ونفي حقيقته ووصفه بالعدم لا بالوجود.
وقد سُئل عبد الله بن المبارك بم نعرف ربنا؟ فقال: بأنه على العرش، بائن من خلقه، قيل: بحد، قال: بحد. أي بحد يعلمه هو، ولا يحيط به أحد من خلقه.
أما الاستدلال بحديث: \"كان الله ولا شيء غيره، وكان عرشه على الماء\" (رواه النسائي في السنن الكبري، رقم 11240) على نفي العلو، فلا دلالة فيه على ما ذهبوا إليه، وذلك أن الحديث يتكلم عن بدء الخلق، وأن الله كان ولا شيء معه من مخلوقاته، وأن أول خلقه كان العرش، بدليل ما رواه الحاكم في مستدركه عن بريدة الأسلمي قال: \"دخل قوم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجعلوا يسألونه، يقولون: أعطنا حتى ساءه ذلك، ودخل عليه آخرون، فقالوا: جئنا نسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ونتفقه في الدين، ونسأله عن بدء هذا الأمر، فقال: \"كان الله ولا شيء غيره، وكان العرش على الماء\".
أما ما روي من قولهم: \"كان الله ولا مكان، وهو الآن على ما كان عليه\". فهو أثر موضوع – كما قال العلماء - على أنه يمكن حمله على معنى صحيح، وهو أن يكون المكان المنفي هو المكان المخلوق – كما هو ظاهر النص - وأهل السنة يقولون بذلك، فهم لا يقولون أن الله متمكن في مكان مخلوق بل يقولون: إن الله مستو على العرش بمعنى أنه عال عليه لا أنه مماس له محتاج إليه.
وقد استدل السلف على إثبات علوّ الباري سبحانه بأدلة كثيرة، منها:
أولًا: أدلة الكتاب:
وهي على أنواع، منها:
1/ ما يصرح باستواء الله على عرشه كما في قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (طه: 5) والاستواء في الآية هو العلو والارتفاع، قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: \"وأما تفسير {اسْتَوَى} علا، فهو صحيح، وهو المذهب الحق، وقول أهل السنة، لأن الله سبحانه وصف نفسه بالعلي، وقال: {سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى? عَمَّا يُشْرِكُونَ} وهي صفة من صفات الذات\".
2/ ما يصرح بالصعود والعروج إليه، والصعود لا يكون إلا لعلو، قال تعالى: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} (فاطر: 10)، و{الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} هو الذكر والدعاء.
3/ ما يصرح بالرفع إليه، قال تعالى: {إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى? إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ} (آل عمران: 55).
4/ التصريح بالفوقية: كما في قوله تعالى عن الملائكة: {يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ} (النحل:50).
5/ التصريح بنزول الملائكة والكتب منه إلى عباده، والنزول لا يكون إلا من علو، قال تعالى: {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ} (النحل: 102).
6/ التصريح بأنه في السماء، كما قال تعالى: {أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاءِ أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ (16) أَمْ أَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاءِ أَن يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ? فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ} (الملك:16-17)، ومعنى {فِي السَّمَاءِ} أي: على السماء لاستحالة أن تكون السماء ظرفًا للخالق ومكانًا له.
قال الإمام اللالكائي في \"شرح اعتقاد أهل السنة\": \"فدلت هذه الآيات أنه تعالى في السماء وعلمه بكل مكان من أرضه وسمائه\".
ثانيًا: أدلة السنة:
وهي كثيرة، فمنها:
1/ حديث معاوية بن الحكم السلمي وفيه أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم بجارية أراد تحريرها من العبودية، فسألها النبي: \"أين الله؟ قالت: في السماء، قال:من أنا؟ قالت:أنت رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال:أعتقها فإنها مؤمنة\". رواه مسلم وأحمد وأبو داود والنسائي و مالك في موطئه والشافعي في مسنده وابن حبان وغيرهم ولم يؤول أي منهم الحديث فدل على قبولهم ظاهره.
2/ حديث جابر - رضي الله عنه - في سرده حجة النبي صلى الله عليه وسلم وأنه عندما خطب الناس في حجة الوداع واستشهادهم على البلاغ، فقالوا: \"نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت. فقال: بإصبعه السبابة يرفعها إلى السماء، وينكتها إلى الناس، اللهم اشهد، اللهم اشهد، ثلاث مرات\" رواه مسلم في صحيحه. وهو دليل صحيح صريح على علو الله على خلقه.
3/ ما ورد في صحيح البخاري أن زينب - رضي الله عنها - كانت تفخر على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فتقول: \"زوجكن أهاليكن وزوجني الله تعالى من فوق سبع سماوات\" ومثل هذا القول من زينب لا يقال بالرأي، بل هو مما تلقته عن النبي صلى الله عليه وسلم وما فهمته من نصوص القرآن.
ثالثًا: دليل الإجماع:
يقول الإمام أبو عمر بن عبد البر في كتابه \"الاستذكار الجامع لمذاهب الأمصار\" تعليقًا على حديث الجارية المتقدم، فعلى ذلك جماعة أهل السنة، وهم أهل الحديث ورواته المتفقهون فيه، وسائر نقلته، كلهم يقول ما قال الله تعالى في كتابه: {الرَّحْمَ?نُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى?} (طه:5)، وأن الله - عز وجل - في السماء وعلمه في كل مكان\".
وهذا النقول تؤكد صراحة أن السلف مجمعون على أن الله – كما أخبر – عال على خلقه مستو على عرشه استواء يليق بجلاله وكماله.
وظهر بهذا أن لا تعارض بين العقل والنقل في إثبات علو الله - سبحانه - على خلقه واستواءه على عرشه بل هو مما اتفقا عليه، وتظافرت الأدلة على إثباته، وأن من أنكره إنما استند إلى بعض النقول التي بان وجه الحق فيها، أو إلى بعض الأدلة العقلية التي اتضح عدم صحتها. فعلى المسلم أن يثبت لله الصفات كما أثبتها لنفسه وأثبتها له رسوله صلى الله عليه وسلم، وأن يعلم أن الله لم يخبر عن نفسه بما هو محال أو ممتنع، وإنما أخبر بما هو جائز أو واجب في حقه، ليعرف العباد خالقهم فيتقربوا إليه، ويعبدوه عن علم ودراية.
تعليقات
{{comment.UserName}} {{comment.CreationTime | date : "MMM d, y - h:mm:ss a"}}
{{comment.Description}}
إضافة تعليق