logo

الرد على شبهات حول عصمة الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - (1)

الرد على شبهات حول عصمة الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - (1)

  • اللجنة العلمية لموقع دعوة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام
  • 2023/11/16
  • 0 تعليق
  • 111 قراءة

 امتدت بعض الألسنة إلى الأنبياء - عليهم السلام - بالعيب والتهم، فلم تدع نبيًّا لم ترمه بدعوى العيب والإثم، تريد بذلك انتقاصهم، والحط من أقدارهم، بل والطعن في القرآن الكريم الذي ذكر عنهم أحوالهم، ومن هنا كان الذب عن أنبياء الله - عز وجل - متعينًا، صونًا لدين الله، وحفظًا لحق أنبيائه عليهم السلام.

 ومما أورده الطاعنون في حق الأنبياء ما ادَّعوه في حق إبراهيم -عليه السلام- مِنْ أنه قد وقع في الشِّرْك بادعائه ربوبية الكواكب، مستشهدين على ذلك بقوله تعالى:

 {كَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (75) فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ (76) فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (77) فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَاقَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (78) إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [الأنعام : 75 - 78].

 والجواب على ذلك: أن إبراهيم -عليه السلام- إنما قال ما قال في مقام المناظرة والمخاصمة لقومه، إذ استعرض لهم الكواكب شمسًا وقمرًا ونجمًا، وبين لهم بالدليل العقلي انتفاء الربوبية عنها، ثم توجه إليهم مخاطبًا إياهم بالنتيجة المنطقية لبطلان معبوداتهم فقال: {قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (78) إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}.

 ومن ذلك ما ادعوه في حق إبراهيم - عليه السلام - أيضًا من أنه شك في قدرة الله -سبحانه وتعالى - حين سأله عن كيفية إحيائه الموتى، قالوا: والشك في قدرة الله كفر، واستشهدوا على ذلك بقوله تعالى:

 {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [البقرة: 260].

 وأوردوا أيضًا ما رواه أبو هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: \"نحن أحق بالشك من إبراهيم إذ قال: }رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي {\". (متفق عليه، أخرجه البخاري: 4537، ومسلم: 151).

 والجواب على ما أوردوه ببيان أن ما صدر عن إبراهيم - عليه السلام - لم يكن شكًّا في قدرة الباري - سبحانه -، فهو لم يسأل قائلًا: هل تستطيع يا رب أن تُحيى الموتى؟ فيكون سؤاله سؤال شك، وإنما سأل الله - عز وجل - عن كيفية إحيائه الموتى، والاستفهام بكيف إنما هو سؤال عن حالة شيء متقرر الوجود عند السائل والمسؤول، لا عن شيء مشكوك في وجوده أصلًا، ولو كان السؤال سؤال شك في القدرة لكانت صيغته: \"هل تستطيع يا رب أن تحيى الموتى\"؟

 وكيف يشك إبراهيم - عليه السلام - في قدرة الباري - سبحانه - وهو الذي حاجَّ النُّمرُوذ بها، فقال: \"ربي الذي يحيى ويميت\"، وهو الذي يأتي بالشمس من المشرق، فاستدل بعموم قدرة الباري على ربوبيته.

 والسبب المحرّك لإبراهيم - عليه السلام - على طلب رؤية كيفية إحياء الموتى هو أنه - عليه السلام - عندما حاجَّ النمروذ قائلًا: \"إن الله يحيى ويميت\" ادعى النمروذ هذا الأمر لنفسه وأرى إبراهيم - عليه السلام - كيف يُحيى ويميت، فأحب - عليه السلام - أن يرى ذلك من ربه ليزداد يقينًا، وليترقى في إيمانه من درجة يقين الخبر \"علم اليقين\" إلى درجة يقين المشاهدة \"عين اليقين\".

 قال الإمام القرطبي (3/ 297): \"لم يكن إبراهيم - عليه السلام - شاكًّا في إحياء الله الموتى قط، وإنما طلب المعاينة، وذلك أن النفوس مستشرفة إلى رؤية ما أُخبرت به\"، وقال الإمام الطبري: \"مسألة إبراهيم ربه أن يريه كيف يحيي الموتى، كانت ليرى عيانًا ما كان عنده من علم ذلك خبرًا\".

 أما قول النبي صلى الله عليه وسلم: \"نحن أحق بالشك من إبراهيم\" فمعناه أنه لو كان إبراهيم - عليه السلام - شاكًّا لَكُنَّا نحن أحق بالشك منه، ونحن لا نشك فإبراهيم - عليه السلام - أيضًا لا يشك، فالحديث مبنيٌّ على نفي الشك عن إبراهيم - عليه السلام -.

 ومن ذلك أيضًا عندما سأل قوم إبراهيم - عليه السلام - عن الذي كسر الأصنام أشار إبراهيم - عليه السلام - إلى الصنم الكبير، وهو نوع من الكذب لأن الذي كسر الأصنام هو إبراهيم عليه السلام.

 والجواب على ذلك أن للعلماء في توجيه مراده مسلكان رئيسان:

 - أحدهما: أنه لم يكذب وإنما استخدم التورية.

 - الثاني: أنه كذب كذبًا غير مذموم شرعًا للمصلحة.

 قال البَغَوِيُّ في \"تفسيره\": فلما أتوا به }قَالُوا{ له }أَأَنتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ{؟ }قالَ{ إبراهيم }بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا{ غضب من أن تعبدوا معه هذه الصغار وهو أكبر منها فكسرهن، وأراد بذلك إبراهيم إقامة الحجة عليهم، فذلك قوله }فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ{ حتى يخبروا من فعل ذلك بهم.

 قال القُتيبي: معناه: بل فعله كبيرهم إن كانوا ينطقون على سبيل الشرط، فجعل النطق شرطًا للفعل، أي إن قدروا على النطق قدروا على الفعل، فأراهم عجزهم عن النطق، وفي (ضِمنه) أنا فعلت ... (تأويل مختلف الحديث ص 35)

 وروي أن الكسائي كان يقف عند قوله (بل فعله) ويقول: معناه (فعله) مَنْ فعله، والأول أصح لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: \"لم يَكْذِبْ إبراهيمُ إلا ثلاثَ كَذِبَاتٍ، ثِنْتَيْنِ منهنَّ في ذاتِ اللهِ عزَّ وجلَّ. قولُهُ:{إِنِّي سَقِيمٌ}، وقولُهُ:{بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا}، وقال: بينا هو ذاتَ يومٍ وسارةُ إذ أتى على جبارٍ من الجبابرةِ، فقيل لهُ: إنَّ ها هنا رجلًا معهُ امرأةٌ من أحسنِ الناسِ، فأرسلَ إليهِ فسألَهُ عنها، فقال: من هذهِ؟ قال: أختي، فأتى سارةَ فقال: يا سارةُ ليس على وجهِ الأرضِ مؤمنٌ غيري وغيركِ، وإنَّ هذا سألني فأخبرتُهُ أنكِ أختي\" (البخاري: 3358، واللفظ له، ومسلم: 2371).

 وقيل في قوله: }إِنِّي سَقِيمٌ{ أي: سأسقم، وقيل: سَقِم القلب أي: مغتمّ بضلالتكم، وقوله لسارة: هذه أختي أي: في الدين.

وهذه التأويلات لنفي الكذب عن إبراهيم، ويجوز أن يكون الله عز وجل أذن له في ذلك لقصد الصلاح وتوبيخهم والاحتجاج عليهم. (انتهى كلام البغوي).

 وقال ابن عاشور في \"التحرير والتنوير\": أما الإخبار بقوله }فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا{ فليس كذبًا -وإن كان مخالفًا للواقع ولاعتقاد المتكلم- لأن الكلام والأخبار إنما تستقر بأواخرها وما يعقبها، كالكلام المعقَّب بشرط أو استثناء، فإنه لما قصد تنبيههم على خطأ عبادتهم للأصنام مهدّ لذلك كلامًا هو جارٍ على الفرض والتقدير فكأنه قال: لو كان هذا إلهًا لما رضي بالاعتداء على شركائه، فلما حصل الاعتداء عليهم بمحضر كبيرهم تعين أن يكون هو الفاعل لذلك، ثم ارتقى في الاستدلال بأن سلب الإلهية عن جميعهم بقوله: }إِن كَانُوا يَنطِقُونَ{.

 فالمراد من الحديث أنها كذبات في بادئ الأمر، وأنها عند التأمل يظهر المقصود منها، وذلك أن النهي عن الكذب إنما علته خدع المخاطب وما يتسبب على الخبر المكذوب من جريان الأعمال على اعتبار الواقع بخلافه، فإذا كان الخبر يُعقب بالصدق لم يكن ذلك من الكذب بل كان تعريضًا أو مزحًا أو نحوهما.

تعليقات

{{comment.UserName}} {{comment.CreationTime | date : "MMM d, y - h:mm:ss a"}}

{{comment.Description}}

إضافة تعليق

;