الرد على شبهات حول عصمة الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - (3)
- اللجنة العلمية لموقع دعوة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام
- 2023/11/16
- 0 تعليق
- 108 قراءة
من أمثلة ما أورده الطاعنون في حق الأنبياء - عليهم السلام -، وشنعوا به على القرآن، ما أوردوه في حق موسى - عليه السلام - من شبهات متعددة، نوردها كالتالي:
الشبهة الأولى:
أنه ارتكب جريمة القتل، مستشهدين على ذلك بقوله تعالى: {وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى? حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَ?ذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَ?ذَا مِنْ عَدُوِّهِ ? فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى? فَقَضَى? عَلَيْهِ ? قَالَ هَ?ذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ ? إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ} [القصص: 15].
وقالوا: إن موسى - عليه السلام - قد ندم على هذه الجريمة، ومنعه ندمه أن يتقدم بالشفاعة إلى رب العالمين، كما في حديث الشفاعة الطويل: \"فيأْتُونَ موسى، فيقولونَ: يا موسى! أنت رسولُ اللهِ، فَضَّلَكَ اللهُ برسالاتِه وبكلامِه على الناسِ، اشْفَعْ لنا إلى رَبِّكَ، ألا تَرى ما نحن فيه؟ ألا تَرى ما قَدْ بَلَغَنا؟ فيقول:إنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ اليومَ غَضبًا لمْ يَغضَبْ قبلَهُ مِثْلَهُ، ولنْ يَغضبَ بعدَه مِثلَه، وإِنِّي قَتلْتُ نَفسًا لَمْ أُومَرَ بِقتلِها، نفسي نفسي نفسي، اذْهَبوا إلى غَيرِي، اذْهَبُوا إلى عِيسَى\". (البخاري: 4712، ومسلم: 194).
والجواب على ما أورده هؤلاء الطاعنون في حق نبي الله موسى - عليه السلام - من عدة أوجه:
- الوجه الأول: أن ما وقع منه - عليه السلام - كان قبل نبوته، بدليل قوله تعالى: {قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ (18) وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ (19) قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ (20) فَفَرَرْتُ مِنكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ} [الشعراء: 18-21].
- الوجه الثاني: أن موسى - عليه السلام - لم يكن قصد قتله، وإنما قصد دفعه عن أخيه، فقتله خطأ. وقد ذكر القرطبي في التفسير أن موسى - عليه السلام - وكز القبطي وهو لا يريد قتله، إنما قصد دفعه فكانت فيه نفسه.
وقال كعب: كان إذ ذاك ابن اثنتي عشرة سنة، وكان قتله مع ذلك خطأ، فإن الوكزة واللكزة في الغالب لا تقتل. فهو لم يقتله عن عمد مريدًا للقتل، وإنما وكزه وكزة يريد بها دفع ظلمه.
- الوجه الثالث: أن موسى - عليه السلام - قد استغفر ربه من هذه الفعلة، فغفر له سبحانه، قال تعالى: {قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ ? إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [القصص: 16].
الشبهة الثانية:
ومن الشبهات الأخرى استدلالهم بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: \"جاء ملك الموت إلى موسى - عليه السلام - فقال: أجب ربك، ففقأ موسى عينه، فصعد ملك الموت إلى الله وقال: إنك أرسلتني إلى عبدٍ لا يريد الموت، فرد الله عليه بصره وقال:اذهب لعبدي فقل له: ضع يدك على متن ثورٍ فلك بكل شعرةٍ مستها يداك سنة، فلما نزل ملك الموت إلى موسى رضى الله -عنه وأخبره بذلك، قال:أي ربي ثم ماذا بعد هذا العمر الطويل؟ قال:الموت، قال:فالآن\". (أخرجه البخاري: 1339، ومسلم: 2372)
ووجه شبهتهم كيف لموسى - عليه السلام - أن يعتدي بالضرب على ملك من الملائكة؟ كما أن نص الحديث يوحي بأن موسى - عليه السلام - كان يكره الموت.
ورد هذه الشبهة من أوجه:
- الوجه الأول: أن موسى - عليه السلام - كان جالسًا في بيته فإذا به يرى رجلًا داخل البيت، يقول له: أجب ربك، أي: يريد أن يقتله وينتزع روحه، فدفع الصائل مشروع.
كما أن موسى - عليه السلام - فعل ما ذكره نبينا صلى الله عليه وسلم من فقأ عين الناظر في بيت غير بيته بغير إذن، وهذا حد شرعي له.
ولم يفقأ عينيه في المرة الثانية؛ لأن ملك الموت كان يأتي الأنبياء عيانًا - كما رواه الإمام أحمد في مسنده - فلما أراد الله عز وجل أن يبتلي موسى - عليه السلام - نزل ملك الموت هذه المرة بغير صورته التي يعرفها موسى - عليه السلام -، فلذلك فقأ عينه، فعندما رد الله - عز وجل - عليه عينه ونزل بصورته التي يعرفها موسى - عليه السلام - لم يفقأ عينه وعلم أن الأولى كانت اختبارًا وامتحانًا لذلك لم يفقأ عينه.
- الوجه الثاني: أن كل نبيٍ يخيَّر ما بين أن يلقى الله وما بين أن يعيش، يختار أن يلقى الله، ولذلك في آخر الحديث عندما قال: \"... أي ربي، ثم ماذا؟ قال: الموت، قال: فالآن\" حينئذٍ خُير أنه يعيش بعدد سنوات شعر العجل أو أنه يلقى الله، فلما خُير وعلم أن ذلك من عند الله اختار ما عند الله.
الشبهة الثالثة:
وهي إلقاء موسى - عليه السلام - الألواح، واستدلوا بقول الله تعالى: }وَأَلْقَى الأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ الأَعْدَاءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ{ [الأعراف: 150]
وقالوا: كيف لنبي أن يلقي ألواحًا فيها كلام الله تعالى؟
وفند هذه الشبهة العلامة ابن القيم - رحمه الله - بقوله: إن موسى - عليه السلام - لم يكن ليلقي ألواحًا كتبها الله تعالى فيها كلامه من على رأسه إلى الأرض فيكسرها اختيارًا منه لذلك، ولا كان فيه مصلحة لبني إسرائيل، ولذلك جرَّه بلحيته ورأسه وهو أخوه، وإنما حمله على ذلك الغضب، فعذره الله - سبحانه - به، ولم يعتب عليه بما فعل إذ كان مصدره الغضب الخارج عن قدرة العبد واختياره، فالمتولد عنه غير منسوب إلى اختياره ورضاه به. (إغاثة اللهفان، ص: 34).
فموسى - عليه السلام - قد تمكن منه الغضب حتى فعل فعلًا لم يدرك عواقبه عليه السلام، ولذا قال الله جل جلاله:
}وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الأَلْوَاحَ ..{ [الأعراف: 150]
فذكر الله جل جلاله ما كان من حال موسى - عليه السلام - لما رأى ما صنع قومه رأي العين وتأكد واستقر في خلده أن قومه أشركوا بالله، وقد قال الله جل جلاله مؤكدًا هذا: {وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الألْوَاحَ وَفِى نُسْخَتهَا هُدًى وَرَحْمَة لِلَّذِينَ هُمْ لِربِّهِمْ يَرْهَبُونَ} [الأعراف: 154].
تعليقات
{{comment.UserName}} {{comment.CreationTime | date : "MMM d, y - h:mm:ss a"}}
{{comment.Description}}
إضافة تعليق