شبهة تكفير العصاة بارتكاب الكبائر (4)
- اللجنة العلمية لموقع دعوة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام
- 2023/11/16
- 0 تعليق
- 119 قراءة
من أدلة الخوارج في تكفير العصاة الأحاديث التي تنفي الإيمان عن بعض أصحاب المعاصي:
· قوله صلى الله عليه وسلم:
\"لا يزني الزَّاني حينَ يزني وَهوَ مؤمنٌ، ولا يشرَبُ الخمرَ حينَ يشرَبُ وَهوَ مؤمنٌ، ولا يسرقُ حينَ يسرقُ وَهوَ مؤمنٌ، ولا ينتَهبُ نُهبةً يرفعُ النَّاسُ إليْهِ فيها أبصارَهم حين ينتهِبُها وَهوَ مؤمنٌ\". (البخاري: 2475).
· قوله صلى الله عليه وسلم:
\"لا إيمانَ لِمَن لا أمانةَ له، ولا دينَ لِمَن لا عهدَ له\" (صحيح ابن حبان: 194).
· قوله صلى الله عليه وسلم:
\"واللَّه لا يؤمِنُ، واللَّه لا يؤمنُ، واللَّه لا يؤمنُ. قيلَ: ومن يا رسولَ اللَّه؟ قالَ : الَّذي لا يأمنُ جارُه بوائقَه\" (البخاري: 6016).
ووجه استدلالهم:
إذا نفي عنهم الإيمان فإنهم يكونون من الكفار، ذلك أن الكفر والإيمان نقيضان إذا انتفى أحدهما ثبت الآخر.
والرد على ما ذكروه من وجوه، منها:
فهم الخوارج من حديث نفي الإيمان عن بعض من ارتكب بعض المعاصي والكبائر نفي الإيمان عن مرتكبي هذه المعاصي نفيًا تامًا، مقتضيًا لكفرهم.
ولكننا نقول إن قوله صلى الله عليه وسلم: \" لا يزني الزَّاني حينَ يزني.. \" إلخ جاء مقيدًا لنفي الإيمان حين مواقعة الزنا، ومقتضاه كما يقول ابن حجر: \"أنه لا يستمر بعد فراغه\". قال: \"وهذا هو الظاهر\" (فتح الباري: 12/59).
ويؤيد هذا ما ورد من روايات كثيرة عن ابن عباس وأبي هريرة رضي الله عنهما تفيد رفع الإيمان عن الشخص المقترف لجريمة الزنا في حالة مواقعته له ويكون فوقه كالظلة، فإذا أقلع عاد إليه.
ويرى ابن حجر أن الحديث مصروف عن ظاهره وذلك لاختلاف الحكم في حد الزنا وتنوعه، فقال: \"ومن أقوى ما يحمل على صرفه عن ظاهره إيجاب الحد في الزنا على أنحاء مختلفة، في حق الحر المحصن والحر البكر وفي حق العبد، فلو كان المراد بنفي الإيمان ثبوت الكفر لاستووا في العقوبة؛ لأن المكلفين فيما يتعلق بالإيمان والكفر سواء\" (فتح الباري: 12/60).
ويذكر النووي أن هذا الحديث مما اختلف العلماء في معناه، ثم يذكر أن الصحيح من هذه المعاني هو نفي أن يكون الفاعل كامل الإيمان ولا عبرة عنده بتلك الاختلافات، فالقول الصحيح الذي قاله المحققون أن معناه لا يفعل هذه المعاصي وهو كامل الإيمان.
ثم يذكر أن السبب الحامل له على هذا التأويل ورود نصوص كثيرة تشهد بخلافه فيقول: \"وإنما تأولناه على ما ذكرناه لحديث أبي ذر وغيره: \"ما من عَبدٍ قال: لا إلهَ إلَّا اللهُ ثمَّ ماتَ على ذلكَ إلَّا دخل الجنَّةَ ، قلتُ: وإن زنَى وإن سرَق ؟! قال: وإنْ زنى وإنْ سرَق\" [البخاري (5827)، ومسلم (94)]. وحديث عُبادة بن الصامت الصحيح المشهور:\"بايِعوني علَى أنْ لا تُشرِكوا باللَّهِ شيئًا، ولا تَسرِقوا، ولا تَزْنوا - وقَرَأ هذهِ الآيةَ كُلَّها - فمَنْ وَفَى مِنكُم فأجرُه علَى اللهِ، ومنْ أصابَ مِن ذلك شيئًا فَعوقِبَ بهِ فهو كَفَّارَتُهُ، ومن أصابَ مِن ذلك شيئًا فسَتَرَهُ اللهُ عليهِ، إنْ شاءَ غفَرَ له، وإنْ شاءَ عَذَّبَهُ\" (البخاري: 6784). فهذان الحديثان مع نظائرهما في الصحيح، مع قول الله عز وجل:} إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء{ [النساء: 48]، مع إجماع أهل الحق على أن الزاني والسارق والقاتل وغيرهم من أصحاب الكبائر غير الشرك لا يكفرون بذلك بل هم مؤمنون ناقصوا الإيمان، إن تابوا سقطت عقوبتهم وإن ماتوا مصرين على الكبائر كانوا في المشيئة فإن شاء الله تعالى عفا عنهم وأدخلهم الجنة أولا، وإن شاء عذبهم ثم أدخلهم الجنة. وكل هذه الأدلة تضطرنا إلى تأويل هذا الحديث وشبهه\" (شرح النووي: 2/40ـ41).
وقد زاد ابن حجر فذكر أقوالًا منها:
1- أن هذا الحديث (خبر بمعنى النهي)، والمعنى: لا يزنينَّ مؤمن ولا يسرقنَّ مؤمن. وقد أخرجه الطبري من طريق محمد بن زيد بن واقد بن عبدالله بن عمر.
2- \"أن يكون بذلك منافقًا نفاقَ معصية لا نفاق كفر\"، ويعزا هذا الرأي إلى الأوزاعي.
3- أن معنى نفي كونه مؤمنًا أنه شابه الكافر في عمله.
4- معنى قوله \"ليس بمؤمن\" أي ليس بمستحضر في حالة تلبسه بالكبيرة جلال من آمن به.
5- معنى نفي الإيمان نفي الأمان من عذاب الله.
6- أن المراد به الزجر والتنفير، ولا يُراد ظاهره.
7- أنه يسلب الإيمان حال تلبسه بالكبيرة، فإذا فارقها عاد إليه.
وقد بين المازري فائدة هذه التأويلات بأنها \"تدفع قول الخوارج ومن وافقهم من الرافضة أن مرتكب الكبيرة كافر مخلد في النار إذا مات من غير توبة، وكذا قول المعتزلة إنه فاسق مُخَلَّد في النار؛ فإن الطوائف المذكورين تعلقوا بهذا الحديث وشبهه وإذا احتمل ما قلناه اندفعت حجتهم\" (فتح الباري: 12/60ـ61).
وقد أشار ابن حجر - رحمه الله - إلى الجمع بين حديث: \"لا يشرب الخمر وهو مؤمن\"، وبين قوله صلى الله عليه وسلم في رجل يسمى عبد الله ويلقب حمارًا كان يشرب الخمر فلما جلده رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رجل من القوم: اللهم العنه ما أكثر ما يؤتى به فقال النبي صلى الله عليه وسلم: \"لا تَلْعَنُوه، فواللهِ ما عَلِمْتُ إلَّا أنه يُحِبُّ اللهَ ورسولَه\" (البخاري: 6780): أن المراد به – كما قال ابن حجر- نفي كمال الإيمان لا أنه يخرج عن الإيمان جملة (فتح الباري: 12/76).
وحاصل القول أن مقتضى الجمع بين النصوص أن يقال إن ما نفاه النبي صلى الله عليه وسلم غير ما أثبته فالذي نفاه هو كمال الإيمان والذي أثبته هو أصل الإيمان الواجب .
والتعبير بنفي الشيء وإرادة نفي الكمال أمر معروف في استعمال الناس كما يقال: لا سعادة في هذه الحياة، والمراد نفي كمال السعادة لا مطلق السعادة، وكما يقال لا خير في هذا الولد، والمراد نفي كمال الخير لا مطلق الخير.
وعليه فكل حديث ورد فيه نفي الإيمان عمن ارتكب كبيرة فلا يقتضي التكفير بإطلاق، وإنما المراد به نفي كمال الإيمان والتحذير من المعاصي لكونها تنقص إيمان المؤمن.
تعليقات
{{comment.UserName}} {{comment.CreationTime | date : "MMM d, y - h:mm:ss a"}}
{{comment.Description}}
إضافة تعليق