شبهة تكفير العُصاة بارتكاب الكبائر (3)
- اللجنة العلمية لموقع دعوة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام
- 2023/11/16
- 0 تعليق
- 112 قراءة
من أدلة الخوارج في تكفير العصاة الأحاديث التي تصرّح بكفر بعض أصحاب الكبائر:
· عن جرير بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: \"أيما عبدٍ أَبَقَ من مواليه فقد كفر حتى يرجعَ إليهم\". [ مسلم: 68 ].
· عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: \"من أتى حائضًا، أو امرأةً في دُبُرِها ، أو كاهنًا فصدَّقَه فيما يقولُ فقد كفر بما أُنزِلَ على مُحمدٍ\" [ أخرجه أبو داود (3904)، والترمذي (135)، والنسائي في السنن الكبرى (9017)، وابن ماجه (639)، وأحمد (10167) باختلاف يسير].
· عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: سمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ: \"من حلف بغيرِ اللهِ فقد كفر أو أشرك\". [ مسند أحمد، 7/199 ].
· عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: \"لا ترغَبوا عن آبائِكم فإنَّه مَن رغِب عن أبيه فقد كفَر\". [ صحيح ابن حبان، (1466) ].
وغيرها من الأحاديث التي فيها التصريح بتكفير من أذنب ذنبًا معينًا.
الردُّ على ما ذكروه من أدلة التصريح بكفر بعض أصحاب الكبائر، كالعبد الآبق، ومن انتسب لغير والده مع علمه به، ومن أتى حائضًا وغيرهم على النحو التالي:
- أولًا: هي أدلة ليست صريحة في الحكم بالكفر المخرج من الملة، إذ من المعلوم أن الكفر في نصوص الشرع كفران:
كفر مخرج من الإسلام، وكفر غير مخرج منه.
وعليه فليس كل ذنب أطلق الشارع عليه كفرًا يكون صاحبه كافرًا خارجًا من الدين، بدليل أن الشرع أطلق الكفر على جحود الزوجة حق زوجها، وليس ذلك بكفر مخرج من الإسلام، وأطلق الكفر على جحد النعم وعدم شكرها، كما في قوله تعالى: {لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ? وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم: 7].
وعليه فلفظ الكفر لا يعني بالضرورة الكفر المخرج من الملة، وإنما قد يستعمل في غيره، وبالتالي فلا يصح الاستدلال بما ذكروا من أدلة على تكفير أصحاب الكبائر، لجواز حملها على كفر النعمة والكفر الأصغر، وهو ما يقتضيه واجب الجمع بين الأدلة.
- ثانيًا: المصير إلى هذا التأويل هو من باب تقديم الدليل الأقوى على ما دونه، فأدلة عدم تكفير أصحاب الكبائر تمتاز بأنها قطعية ومتواترة وإجماع السلف على وفقها، فكل دليل يخالفها يجب تأويله وحمله على ما يتفق وهذه النصوص .
ومن ذلك حديث عبادة بن الصامت فيه: \"ومن أصاب شيئًا من ذلك فعُوقِبَ بهِ، فهو كفارةٌ لهُ، ومن أصاب شيئًا من ذلك فسترَه اللهُ عليهِ، فأمرُه إلى اللهِ، إن شاء عفا عنهُ وإن شاء عذَّبَه\". [ مسلم: 1709 ] يقول النووي: وفي هذا الحديث فوائد منها: \"... الدلالة لمذهب أهل الحق أن المعاصي غير الكفر لا يقطع لصاحبها بالنار إذا مات ولم يتب منها بل هو في مشيئة الله إن شاء عفا عنه وإن شاء عذبه\" [ شرح صحيح مسلم للنووي، 11/223 ].
فأهل السنة على أن قاتل نفسه ليس بكافر، كما في حديث جابر رضي الله عنه: \"أن الطفيل بن عمرو الدوسي أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسولَ اللهِ! هل لك في حصنٍ حصينٍ ومَنَعةٍ؟ قال: (حصنٌ كان لدوسٍ في الجاهليةِ). فأبَى ذلِكَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم للَّذِي ذخرَ اللهُ للأنصارِ. فلمَّا هاجر النبيُّ صلى الله عليه وسلم إلى المدينةِ، هاجر إليه الطُّفيلُ بنُ عمرٍو، وهاجر معه رجلٌ من قومِهِ. فاجتوَوا المدينةَ. فمرِضَ، فجزِعَ، فأخذ مَشاقصَ له، فقطع بها براجِمَه، فشَخَبَتْ يداهُ حتَّى مات. فرآهُ الطُّفيلُ ابنُ عمرٍو في منامِه. فرآهُ وهيئتهُ حسنةٌ. ورآهُ مغطيًّا يديهِ. فقال له: ما صنعَ بك ربُّك؟ فقال: غفرَ لي بهجرَتي إلى نبيِّهِ صلى الله عليه وسلم. فقال: ما لي أراكَ مغطيًّا يديكَ؟ قال قيل لي: لن نصلِحَ منك ما أفسدتَ. فقصَّها الطفيلُ على رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم اللهمَّ! ولِيدَيهِ فاغفرْ\". [ مسلم: 116 ].
قال النووي: إن في الحديث \"حجة لقاعدة عظيمة لأهل السنة أن من قتل نفسه أو ارتكب معصية غيرها ومات من غير توبة فليس بكافر ولا يقطع له بالنار، بل هو في حكم المشيئة\"، قال: \"وهذا الحديث شرح للأحاديث التي قبله الموهم ظاهرها تخليد قاتل النفس وغيره من أصحاب الكبائر\".
- ثالثًا: يمكن حمل القول على بالكفر على الاستحلال، كما قال الطحاوي - رحمه الله -: \"ولا نكفر أحدًا من أهل القبلة بذنب ما لم يستحله\". بمعنى أن الذنوب التي هي الوقوع فيما حرم الله لا توجب الكفر إلا في حالة أن يستحله الإنسان، فيرى أنه حلال له ذلك، فهذا يُخرج من الإسلام، لأن استحلاله يعني تكذيبه لكلام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم في تحريمه، وهو أعظم جرمًا من الفعل نفسه.
تعليقات
{{comment.UserName}} {{comment.CreationTime | date : "MMM d, y - h:mm:ss a"}}
{{comment.Description}}
إضافة تعليق