شبهات حول التوحيد (4)
- الشيخ الدكتور: محمد بن عمر بازمول
- 2023/11/16
- 0 تعليق
- 104 قراءة
الشبهة الرابعة: تفسير بعضهم لشهادة (أن لا إله إلا لله) بـ (لا قادر على الاختراع إلا الله)
والجواب: أن هذا خطأ من وجهين:
الأول: أن هذا الذي قرروه قد أقر به المشركون الذين قاتلهم النبي صلى الله عليه وسلم، فإنهم لم يجعلوا لله شريكا في أفعاله كما قال تعالى: {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى? يُؤْفَكُونَ} [العنكبون:61]، {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّن نَّزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِن بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ} [العنكبوت:63]، {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى? يُؤفَكُونَ} [الزخرف:87]. ومع هذا لم يكونوا موحدين، بل هم مشركون بدلالة الكتاب والسنة والإجماع المعلوم من الدين بالضرورة من دين الإسلام، لكونهم أنكروا توحيد الألوهية {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ}[ص:5].
وعاب عليهم شركهم مع إقرارهم بربوبيته سبحانه: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ}[الزمر:38]، ولهذا قاتلهم النبي صلى الله عليه وسلم مستبيحا دماءهم وأموالهم وسبي ذراريهم ونسائهم.
الثاني: أن تفسيرهم (لا إله إلا الله) بهذا التفسير الذي ذكروه، أي: أنه لا قادر على الاختراع إلا الله، يقتضي أن من أقر بأن الله وحده هو القادر على الاختراع دون غيره فقد شهد أن لا إله إلا الله وعصم دمه وماله.
ومعلوم أن تفسيرها بهذا المعنى باطل مخالف لما عرفه المسلمون منه، فإن تفسيرها الصحيح: أن لا معبود إلا الله، وهذا هو الذي يعرفه المسلمون من معناها، وبل والمشركون، ألا ترى إلى قول الله تعالى فيهم: {إِنَّهُمْ كانُوا إِذا قِيلَ لَهُمْ لا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ}[الصافات:35-36] وكانوا لا يستكبرون عن الإقرار بقلوبهم وألسنتهم بأن الله هو الخالق وحده، ولا يدعون أن آلهتهم تخلق شيئا، فتبين بذلك أن المشركين أعلم وأفقه بمعنى لا إله إلا الله من هؤلاء المتكلمين، وأن غاية ما يقرره هؤلاء المتكلمون من التوحيد توحيد الربوبية الذي لا يخلص الإنسان من الشرك ولا يعصم دمه وماله، ولا يسلم به من الخلود في النار.
وقد سلك هذا المسلك طوائف من أهل التصوف المنتسبين إلى المعرفة والتحقيق والتوحيد، فكان غاية ما عندهم من التوحيد أن يشهد المرء أن الله رب كل شيء ومليكه وخالقه، لا سيما إذا غاب العارف بموجوده عن وجوده، وبمشهوده عن شهوده، وبمعروفه عن معرفته، ودخل في فناء توحيد الربوبية بحيث يفنى من لم يكن ويبقى من لم يزل.
ومعلوم أن هذه الغاية هي ما أقر به المشركون من التوحيد، وهي غاية لا يكون بها الرجل مسلما، فضلا عن أن يكون من أولياء الله تعالى وسادة خلقه(1)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ينظر: تقريب التدمرية ص133-134، ومجموع الفتاوى لابن تيمية (3/101) وما بعدها.
تعليقات
{{comment.UserName}} {{comment.CreationTime | date : "MMM d, y - h:mm:ss a"}}
{{comment.Description}}
إضافة تعليق