الرد على من زعم جواز التبرك بالآثار النبوية المكانية (3/4)
- الشيخ أكرم مبارك عصبان
- 2023/11/16
- 0 تعليق
- 116 قراءة
أمَّا ثالث أدلته وهو تحري الصحابة الصلاة عند أسطوانة عائشة رضي الله عنها، فقد أورد فيه حديثاً منكراً، ولو صح فليس فيه دليل على التبرك، فقد قال - عفا الله عنه - (ص21): (( وأسطوانة عائشة كانت تسمى أسطوانة المهاجرين حيث كانوا يجتمعون عندها، وكان الصحابة يتحرون الصلاة عندها، ذكر ذلك الحافظ في الفتح،...ثم قال: روى الطبراني في الأوسط عن عائشة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن في المسجد لبقعة قِبَل هذه الأسطوانة، لو يعلم الناس ما صلُّوا فيها إلا أن تُطَيَّر لهم فيها قرعة... الخ الحديث)).أ.هـ
والحديث رواه الطبراني في (الأوسط) (1/475) من طريق عتيق بن يعقوب قال حدثنا عبدالله ومحمد ابنا المنذر عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة، ومحمد بن المنذر هو الزبيري يروي عن هشام أحاديث موضوعة ومنكرة، وعبدالله أخوه لا تُعرف له ترجمة. انظر: (السلسلة الضعيفة) للألباني (2390)
والحديث - لو صح - ليس فيه دليل أنهم كانوا يتحرُّون الصلاة عند الأسطوانة تبركاً بل اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم، بل كان الصحابة رضي الله عنهم يبتدرون السواري وهي الأسطوانات - وقد كانت من خشب - للصلاة عندها وجعلها سترة لهم، وهذا معروف مشهور.
ثم إن الغريب من الشيخ أنه لم يكتفِ بأسطوانة عائشة المزعومة بل زاد عليها وقال (ص20): ((ومن الأماكن النبوية في الروضة الشريفة الأسطوانات الأخرى، وهي: أسطوانة السرير، وأسطوانة الحرس، وأسطوانة الوفود، وأسطوانة التوبة، وأسطوانة التهجد)) ولا أدري أيريد من الناس الذهاب إلى هذه الأسطوانات ليلتمسوا البركة عندها؟!
مع العلم أن أياً من هذه الأسطوانات لم يرد فيها حديث خلا أسطوانة التوبة - والتي تيب عندها على أبي لبابة رضي الله عنه - فقد ورد فيها حديث إسناده ضعيف، انظر:صحيح ابن خزيمة (رقم2236) وضعيف ابن ماجه (رقم350).
أمَّا دليله الرابع، فهو حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنهما، فقد قال الشيخ (ص23): ((وثبت عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه أنه كان يأتي مسجد الفتح الذي على الجبل، يتحرى الساعة التي دعا فيها النبي صلى الله عليه وسلم على الأحزاب ويتحرى المكان أيضاً ويقول: ولم ينزل بي أمر مهم غائظ إلا توخيت تلك الساعة فدعوت الله فيه بين الصلاتين يوم الأربعاء إلا عرفت الإجابة)) وقال في موضع آخر (ص59): بعد أن ذكر الحديث ((يقصد رضي الله عنه أنه يتوخى الزمان والمكان أي يدعو في تلك الساعة في ذلك المكان الذي دعا فيه النبي صلى الله عليه وسلم في مسجد الفتح، بدليل رواية البخاري في الأدب المفرد ولفظه:.. - ثم ذكر اللفظ المتقدم آنفاً - )) أ.هـ
وحديث جابر هذا رواه الإمام أحمد في (المسند) (22/425 بتحقيق الأرنؤوط) والبزار في مسنده ومن طريقه ابن عبدالبر في التمهيد (19/200) من طريق أبي عامر العَقَدي عن كثير بن زيد بلفظ: ((إلا توخيت تلك الساعة فأدعو فيها فأعرف الإجابة))، وفي إحدى روايات البزار أنه: ((يدعو في تلك الساعة في مسجد قباء)) ذكرها المؤلف نفسه (ص59)، ورواه ابن سعد في الطبقات (2/73) وابن الغطريف في جزئه (ص107) ومن طريقه عبدالغني المقدسي في الترغيب في الدعاء (ص49) من طريق عبيدالله بن عبدالمجيد عن كثير بن زيد بلفظ: ((إلا توخيت تلك الساعة من ذلك اليوم فدعوت فعرفت الإجابة)) ورواه البخاري في الأدب المفرد (2/167 مع الشرح) من طريق سفيان بن حمزة عن كثير بن زيد بلفظ: ((إلا توخيت تلك الساعة فدعوت الله فيه))، وأصح هذه الروايات إسناداً رواية أحمد فأبو عامر أوثق من عبيدالله ومن سفيان لذلك قال المنذري في الترغيب والترهيب (2/142): رواه أحمد والبزار وغيرهما وإسناد أحمد جيد، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/12): رواه أحمد والبزار ورجال أحمد ثقات، وكثير بن زيد نفسُه فيه كلام، انظر: (السنن والأحكام) (4/300) للضياء المقدسي و(اقتضاء الصراط المستقيم) (2/816) لابن تيمية، والحديث ضعف إسناده الأرنؤوط في تخريجه للمسند من أجل كثير بن زيد، وحسَّنه الألباني في (صحيح الأدب المفرد) (1/256) و(صحيح الترغيب والترهيب) (2/24) باللفظين معاً، وأنكر ابن تيمية أن يكون جابر رضي الله عنه كان يتحرى المكان فقال في اقتضاء الصراط المستقيم (2/816) ((ولم يُنقل عن جابر رضي الله عنه أنه تحرى الدعاء في المكان بل في الزمان)).
أمَّا تتبع عبدالله بن عمر رضي الله عنهما للأماكن النبوية فقال المصنف (ص17): ((وقد بوب البخاري في صحيحه فقال: \"باب المساجد التي على طرق المدينة والمواضع التي صلى فيها النبي صلى الله عليه وسلم \"وذكر فيه أحاديث فيها تتبع عبدالله بن عمر رضي الله عنهما لهذه المواضع والتبرك بها، ومثله سالم ابنه كان يتحرى هذه المواضع، ويُفهم من تبويب البخاري وذكره لهذه المواضع أنه يرى مشروعية التبرك بذلك)) وفي (ص23) قال: ((ولذلك لم ينقل أن عمر أنكر على ابنه عبدالله شدة تتبعه للأماكن النبوية وتبركه بها، بل لم يرد عن أي أحدٍ من الصحابة أنه أنكر عليه ذلك، فهم وإن لم يُنقل عنهم أنهم كانوا يفعلون ذلك مثله لكن عدم إنكارهم يدل على مشروعية فعله رضي الله عنه)) أ.هـ
والعجب لا ينقضي من صنيع المؤلف هذا! فقد زعم أن ابن عمر رضي الله عنهما كان يفعل ذلك تبركاً، وليس فيما أورده ما يشير إلى ذلك، ثم زعم أن البخاري من تبويبه هذا يُفهم منه أنه يرى مشروعية التبرك، فبنى خطأً على خطأ، والبخاري بريء من ذلك، ثم زعم أن عمر رضي الله عنه لم ينكر على ابنه وسيأتي أنه أنكر على ما هو أشد من ذلك، فماذا يريد الشيخ من كل ذلك؟!
وهاكم نص الحديث كما أورده البخاري، ولنفتش سوياً عما زعمه المؤلف من تبرك ابن عمر رضي الله عنهما بهذه الأماكن، قال البخاري: ((حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي قال: حدثنا فضيل بن سليمان قال: حدثنا موسى بن عقبة قال: رأيت سالم بن عبد الله يتحرى أماكن من الطريق فيصلي فيها ويحدث أن أباه كان يصلي فيها وأنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في تلك الأمكنة. وحدثني نافع عن ابن عمر أنه كان يصلي في تلك الأمكنة وسألت سالماً فلا أعلمه إلا وافق نافعاً في الأمكنة كلها إلا أنهما اختلفا في مسجد بشرف الروحاء)) أ.هـ، فأين في الحديث أن ابن عمر كان يتبرك بهذه الأماكن حتى يرتب عليها المؤلف كلامه السابق؟! وكذا تبويب البخاري: ((باب المساجد التي على طرق المدينة والمواضع التي صلى فيها النبي صلى الله عليه وسلم)) أين فيه مشروعية التبرك بهذه المساجد والمواضع التي صلى فيها النبي صلى الله عليه وسلم؟! وهذا يؤكد ما ذكرته من أنَّ مبنى خطأ المؤلف هو الخلط بين ما كان يفعله الصحابة اقتداءً واتباعاً للنبي صلى الله عليه وسلم وما كانوا يفعلونه تبركاً.
تعليقات
{{comment.UserName}} {{comment.CreationTime | date : "MMM d, y - h:mm:ss a"}}
{{comment.Description}}
إضافة تعليق