logo

ضرورة اغتنام أوقات وساعات هذا الشهر الفضيل

ضرورة اغتنام أوقات وساعات هذا الشهر الفضيل

  • اللجنة العلمية لموقع دعوة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام
  • 2023/11/16
  • 0 تعليق
  • 51 قراءة

حال السلف في رمضان

ضرورة اغتنام أوقات وساعات هذا الشهر الفضيل

حث عضو هيئة كبار العلماء وعضو اللجنة الدائمة للفتوى الشيخ الدكتور صالح بن فوزان الفوزان على ضرورة اغتنام أوقات وساعات هذا الشهر الفضيل بالعمل الصالح طلبًا في زيادة الإيمان واستفادة حقيقية من خيرات هذا الشهر، وصولاً إلى الدرجات العليا التي رتبها الله لأهل الاجتهاد والعمل الصالح في رمضان.. فإلى الحوار:

 كيف كان حال السلف في رمضان، كيف كانوا يقضون هذا الشهر؟

حالة السلف كما هو مدون في الكتب المروية بأسانيد الثقات عنهم أنهم كانوا يسألون الله عز وجل أن يبلغهم رمضان قبل أن يدخل، يسألون الله أن يبلغهم شهر رمضان لما يعلمون فيه من الخير العظيم والنفع العميم، ثم إذا دخل رمضان يسألون الله أن يعينهم على العمل الصالح فيه ثم إذا انتهى رمضان يسألون الله أن يتقبله منهم كما قال الله جل وعلا: }وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ (60) أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ{ [المؤمنون:60،61]، وكانوا يجتهدون في العمل ثم يصيبهم الهم بعد العمل هل يقبل أو لا يقبل وذلك لعلمهم بعظمة الله عز وجل وعلمهم بأن الله لا يقبل إلا ما كان خالصًا لوجهه وصوابًا على سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - من الأعمال، فكانوا لا يزكون أنفسهم ويخشون من أن تبطل أعمالهم فهم لها أن تقبل أشد منهم تعبًا في أدائها لأن الله جل وعلا يقول }إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ {[المائدة:27]، وكانوا يتفرغون في هذا الشهر كما أسلفنا للعبادة ويتقللون من أعمال الدنيا وكانوا يوفرون الوقت للجلوس في بيوت الله عز وجل ويقولون نحفظ صومنا ولا نغتاب أحدًا ويحضرون المصاحف ويتدارسون كتاب الله عز وجل كانوا يحفظون أوقاته من الضياع، ما كانوا يهملون أو يفرطون كما عليه حال الكثير اليوم، بل كانوا يحفظون أوقاته، الليل في القيام والنهار بالصيام وتلاوة القرآن وذكر الله وأعمال الخير، ما كانوا يفرطون في دقيقة منه أو في لحظة منه إلا ويقدمون فيها عملاً صالحًا.

ماذا يمكن أن يركز المسلم عليه في هذا الشهر الكريم من العمل والاجتهاد؟

من نعم الله على المسلمين وفضله وإحسانه أن يحل عليهم في كل عام شهر رمضان المبارك الذي أودع الله فيه من الخيرات والمبرات الشيء الكثير؛ وذلك لأن المسلم يغتنم هذا الشهر في عمره ويستغله في ما شرعه الله فيه من الطاعات والقربات في ليله ونهاره.

وهو كما قال الله شهر واحد وسط اثني عشر شهرًا، فالمسلم يستغله في طاعة الله وفي العبادات وما يقربه إلى ربه، وبالمقابل يتوب عن الذنوب والمعاصي لأن الله فتح له باب التوبة في هذا الشهر الذي تغلق فيه أبواب النيران وتفتح أبواب الجنان، وهو فرصة للمسلم لكي يستغل هذه الظروف التي هيأها الله له فلا يمر عليه الشهر وهو في غفلة عنه فيمر دون أن يستغله وهو لا يدري ولا يعوض في المستقبل.

والإنسان لا يدري هل يدرك رمضان مرة أخرى أم يكون الأخير في حياته، لذلك عليه أن ينتهز الفرص التي أتاحها له الله فيقدم خيرا لنفسه، والله تعالى يقول } وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا {[المزمل:20].

 كيف يمكن تجنب ما يصرف عن العمل الصالح في رمضان؟

الصوارف كثيرة منها الغفلة والانشغال بما لا يفيد من اللهو واللعب والمرح وغير ذلك مما يزاوله كثير من الناس بحجة الترفيه والتوسعة، وربما كان مصادفة رمضان للعطلة الصيفية، فهم يعتبرونها فرصة للشهوات والغفلة فيجعلون رمضان موسمًا من مواسم اللهو مع أنه أهم مواسم الطاعات فعليهم أن يميزوا هذا الشهر، وإن كان كل عمر المسلم يجب أن يستغل في طاعة الله لأنه فرصته لتحصيل الطاعات والفوز بالجنة والنجاة من النار.

فإذا أفلس من رمضان وفي بقية عمره فقد خسر خسرانًا مبينًا، وأضاع عمره في ما لا يفيد. قال الله جل وعلا }وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ { [العصر:1ـ3].

فعمر الإنسان هو فرصته في حياته الدنيا ليتقرب إلى ربه وليقدم إلى نفسه ما يسعد به يوم لقاء الله وينال رضاه، ولا يضيعه في ما يضره ولا يفيده كحال كثير من الناس ولاسيما بعد انتشار المدنية ووسائل الترفيه واللهو، فالدنيا فانية والآخرة باقية، والدنيا مدبرة والآخرة مقبلة.

 لعل البعض يحسب أن شهر رمضان والصوم فيه إمساك عن الأكل والشرب فقط، كيف يمكن تصحيح هذه الفكرة؟

الصوم هو الإمساك عما حرم الله، وهو على نوعين: إمساك عن المحرمات والمعاصي، وهذا لا يفطر منه إلا عند الموت ولقاء الله لأنه صوم عما حرم الله. النوع الثاني هو الصوم عن الأكل والشراب والمفطرات وهذا يكون في رمضان وأيام التطوع حيث يمسك الإنسان عن ذلك كما قال الله تعالى في الحديث القدسي: \"ولَخُلوفُ فَمِ الصَّائمِ أطيَبُ عندَ اللَّهِ من ريحِ المِسكِ\"[1]. وقال جل وعلا: \"الصومُ لي وأنا أَجزي به\"[2].

فالمسلم يترك طعامه وشرابه وشهوته في زوجه من أجل الله تعالى والله يجزيه على ذلك يوم القيامة.

لا يخفى عليكم ما يسببه دخول من ليس لديه علم في شؤون الفتوى والقول على الله بغير علم، كيف نضبط الفتاوى ونحذر الناس من الأخذ عن غير العالمين؟

يحتاج المسلمون إلى من يبين لهم أمور عقيدتهم وعباداتهم ومعاملاتهم وأنكحتهم، وهذا ما يسمى بالفتوى، وهي بيان الحكم الشريعي بدليله من الكتاب والسنة كما يحتاجون إلى من يفصل بينهم في خصوماتهم ومنازعاتهم وهذا ما يسمى بالقضاء ولا يقوم بهذين العبئين العظيمين إلا من عنده مؤهلات علمية وعنده تقوى وخوف من الله وتذكر المقام بين يديه.

لأن المفتي والقاضي كل منهما مخبر عن الله أنه أحل كذا وحرم كذا وأن الحق مع أحد الخصمين دون الآخر ولهذا عظم الله من شأن هذين المنصبين: الإفتاء والقضاء، وحذر من اقتحامهما بدون علم وبصيرة وبدون عدل وإنصاف } وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ (116) مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ{ [النحل:115ـ116]، وقال لنبيه: } وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ{ [المائدة:49]، قال تعالى: }وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ{[المائدة:44]،}فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ{ [المائدة:45]، }فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ{ [المائدة:47]، وأمر الجهال أن يسألوا أهل العلم فقال سبحانه: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)[النحل:43]، فالجاهل لا يجوز له أن يسأل الجاهل أو المتعالم، ولا يجوز لغير العالم أن يجيب السائل ويفتي بغير علم، كما يجب على العالم أن يفتي بالحق الموافق للدليل ولا يفتي بما يوافق أهواء الناس ويرضيهم مع مخالفة الدليل ويفتح لهم الرخص المخالفة للدليل.

وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم المفتي والمستفتي من القول على الله بغير علم حينما أخبر أنه عند فقد العلماء يتخذ الناس رؤسًا جهالاً فيفتون بغير علم فيضلون ويصلون.

وكيف يعرف المسلم العالم وهل هناك أقسام للمؤهلين للفتوى؟

القسم الأول المجتهد المطلق الذي يقدر على أخذ الحكم من الكتاب والسنة مباشرة وهذا له شروط يجب أن تتوفر فيه ذكرها العلماء في أصول الفقه، ولا يتمثل هذا إلا في الأئمة الأربعة وأمثالهم ممن توفرت فيهم شروط الاجتهاد.

والقسم الثاني مجتهد المذهب الذي يستطيع معرفة الراجح من المرجوح والقول الصحيح من غيره من مذهبه وغير مذهبه فيفتي بما ترجح لديه من أقوال العلماء، مما يبرئ ذمته وذمة السائل.

وأما من ليست عنده أهلية الترجيح وإنما عنده اطلاع على الأقوال أو مطالعة في الكتب أو نظر فيما يسجل في الكمبيوتر من الأقوال الفقهية وليس عنده أهلية في معرفة الراجح بالدليل من تلك الأقوال فلا يجوز له أن يفتي الناس لئلا يضل ويضل.

في بعض مواقع التواصل والفضائيات هناك تنقص من السلفيين ووصفهم بأوصاف غريبة، ما تأثير ذلك عليهم وعلى منهجهم؟

كل تلك الأوصاف لا تضرهم، وأنا أدعو إلى عدم الالتفات لهؤلاء، لأن تأثير أوصافهم يقتصر على الإنسان الذي ليس لديه صبر وقوة عزيمة، والذي يثير الاستنكار تلك الدعوات إلى التزهيد في فقه السلف عبر بعض وسائل الإعلام والمطالبة بفقه جديد.

مذهب السلف هو سفينة نوح، فمن ركبها نجا ومن تركها غرق، فالنبي صلى الله عليه وسلم أبدى تخوفه من دعاة الضلال الذين يريدون صرف الناس عن منهج السلف، وقال إنهم دعاة على أبواب جهنم، وإن من يقول إن منهج السلف أحدثه ابتداء الإمام أحمد بن حنبل فإنه لم يقل الحقيقة وقال كذبًا، فالذي وضع منهج السلف هو الله تعالى في كتابه والرسول صلى الله عليه وسلم في سنته.

هل الرد على أهل الباطل من حق الجميع أم أنه مقتصر على جماعة بعينها؟

الرد على أهل الباطل مقتصر على أهل العلم وليس من حق أي أحد، أما المهاترات والطعون التي فشت بين الشباب والمنتسبين للعلم لا تصلح، بل هي تحريش وسباب لا يجوز.

إن أهل العلم لا يفعلون هذا بل يصلحون بين الناس والعلماء وطلبة العلم، ولا يزيدون الشر شرًا ولا يفجرون الخلاف ويقسمون الناس ويشتتونهم، كل ذلك لا يجوز.

وماذا تقولون في بعض الدعاة الذين يطعنون في بعض كتب أئمة الدعوة؟

من جهل شيئًا عاداه، هؤلاء يجهلون كتب أئمة الدعوة ولم يدرسوها على أهل العلم، ولما خالفت أهوائهم طعنوا فيها، والواجب عليهم ترك هذا الكلام وتعلم العلم على أهله.

يكثر ترويج مصطلح الاعتدال والوسطية كيف يمكن تقويم ذلك بحيث لا يخرج عن الإطار الشرعي؟

الاعتدال والوسطية مطلوبان في الإسلام، قال تعالى }وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا{[البقرة:143]، فالاعتدال مطلوب والاعتدال هو الوسط بين طرفين متناقضين، طرف الغلو والتشدد وطرف التساهل والتميع.

فعلى المسلم أن يعلم أن التسامح لا يعني التساهل وإضاعة حقوق الله وحقوق عباده، ولكن التسامح يكون مع أداء حقوق الله وحقوق عباده.

كما أن التشدد لا يعني المحافظة على الدين لأن البعض يعتقد أن من تمسك بدينه فهو متشدد، فالتشدد في حقيقته يعني الزيادة والخروج على حدج الاعتدال فالله تعالى قال لنبيه: }فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ{ [هود:112]، أي على الحد الذي أوضح لك ولا تزد عليه. وقال: }وَلَا تَطْغَوْا{ [هود:112]، والطغيان يعني الزيادة على ما شرعه الله تعالى، على أساس أنه من الخير، والزيادة على ما شرعه الله شرا وليست خيرا. والنبي صلى الله عليه وسلم حذر من الغلو. ولكن الغلو لا يعني التمسك بالدين.



[1]  البخاري )1904(، ومسلم)  1151(.

[2]  البخاري )7492(، مسلم) 1151(.


تعليقات

{{comment.UserName}} {{comment.CreationTime | date : "MMM d, y - h:mm:ss a"}}

{{comment.Description}}

إضافة تعليق

;