logo

خطر الانجراف خلف الدعاوى الباطلة

خطر الانجراف خلف الدعاوى الباطلة

  • اللجنة العلمية لموقع دعوة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام
  • 2023/11/16
  • 0 تعليق
  • 47 قراءة

حوار هام مع الدكتور قيس آل الشيخ مبارك عضو هيئة كبار العلماء بالسعودية

في هذا الحوار التي أجرته صحيفة الجزيرة السعودية بتاريخ الثلاثاء 21 ذي القعدة 1435 العدد (15328) مع فضيلة الشيخ الدكتور قيس بن محمد آل الشيخ مبارك عضو هيئة كبار العلماء في المملكة نلقي الضوء على بعض هذه القضايا المنهجية الهامة، حيث أبان فضيلته عن الكثير من أوجه الخلل في عدم فهم بعض النصوص الشرعية، وخطر الانجراف خلف الدعاوى الباطلة، فإلى الحوار:

* الجهاد في سبيل الله كما فصَّله العلماء ينقسم إلى قسمين:

فرض عين، وفرض كفاية، والملاحظ لدى المحرضين على الخروج للقتال أنهم جعلوا الدفاع عن الدول الأخرى من باب فرض العين كون بلاد المسلمين بلادا واحدة، كما يقولون، ولذا فإنهم لا يرون إذن الحاكم، ولا إذن الوالدين فما هو رأي فضيلتكم؟

- الجهاد في الإسلام ليس اعتداءً، ولا شهوةً للانتقام، فلم يشرعْهُ الله لتقتيل البشر، فلو شاء سبحانه لأهلك الكفار جميعًا، فمن حكمة الله تعالى أنْ جعلَ الجهادَ خُلُقًا وأدبًا إسلاميًّا، شَرَعَهُ سبحانه لدفع الظلم والكفر عن المسلمين، والأصل فيه أنه فرضُ كفاية، فلا يتعيَّن على جميع المسلمين، غير أنه يصيرُ فرضَ عينٍ بتعيين الإمام، فإذا عيَّن السلطانُ أحدًا من المسلمين للجهاد صارَ فرضًا عليه أنْ يخرج للجهاد، وكذلك يصير فرضَ عينٍ على أهلِ بلدةٍ إذا فاجأَ العدوُّ بلدتهم، ففي هذا الحال يصير فرضَ عين على كلِّ ذكرٍ مكلَّفٍ قادرٍ مِن أهل تلك البلدة المعتَدَى عليها، فإن لم يكونوا قادرين على ردِّ المعتَدِي صار فرضَ عينٍ على مَن يليهم.

أما في حالِ الجهاد الذي هو فرضُ كفايةٍ، فقد ذكر الفقهاءُ أنَّ الخروجَ فيه من غير رضا الوالدين كبيرةٌ من الكبائر، لأنه عقوقٌ لهما، وهو خلاف ما دلَّ عليه الكتاب والسنَّة، واتفق عليه علماءُ المسلمين، كما قال الحافظُ أبو عمر ابن عبدالبرَّ: (لا خلاف عَلِمْتُهُ أنَّ الرجلَ لا يجوز له الغَزْوُ ووالداهُ كارهان أو أحدهما، لأنَّ الخلافَ لهما في أداء الفرائض عقوقٌ، وهو من الكبائر)، وقد روى الشيخان عن ابن عمر رضي الله عنه: (جاء رجلٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاستأذنه في الجهاد فقال عليه الصلاة والسلام: (أحيٌّ والداك؟ قال: نعم، قال: ففيهما فجاهد). وفي سنن أبي داود بسند صحيح: (ارجع فأَضْحِكْهما كما أبْكَيْتَهما)، بل قالوا: يجب أن يكون رضاهما بالقول واللسان، فلو أذنا بلسانهما، ولم يكونا راضِيَيْنِ، فلا يجوز الخروج، وكذلك لو أذنَ أحدُهما ولم يأذن الآخر لم يَجُزْ الخروج، فشَرْطُ الخروج رضاهما جميعًا، وأن يكون إذْنًا غيرَ مشوبٍ بإكراه، أي عن رضًا بالقلب، بل ذكروا أن مَن له إخوة أو عمٌّ أو عمَّة أو خالٌ أو خالة، وكان هو القائمُ عليهم، ويخافُ ضَيْعَتَهم، فمُقَامُه عندهم أفضلُ عند الله.

* شبهة عظيمة يطلقها بعض المغرر بهم، بل يقول بها بعض مدعي العلم، وهي أن الناس يُبعثون على نياتهم، فمن خرج للقتال وهو يريد الجهاد الحق، فإنه على أجره، حتى ولو قتل مسلمًا أو معاهدًا، كيف لنا أن نرد على هذه الشبهة؟

- غفر الله لك حين جعلْتَها شبهةً عظيمة، ما أقْبَحَهُ مِن عذر أمام الله تعالى، أنْ تخالِف شرع الله، فتفارق الجماعة لتقاتل تحت رايةٍ عُمِّيَّة، فتسفك الدماء بالظِّنَّة، وتقتل الرجالَ وتُيَتِّمَ الأطفال وترمِّل النساء، وترجو لهم بعد ذلك المغفرة، والأقبح أن ترجو لنفسك المثوبة والأجر!

أين أنت أيها الشابُّ من حديث الإمام مسلمٍ في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من خرج من الطاعة، وفارق الجماعة فمات، ماتَ مِيْتَةً جاهلية، ومن قاتل تحت راية عُمِّيّةٍ، يَغضَبُ لِعَصَبةٍ، أو يدعو إلى عَصَبةٍ، أو يَنصُرَ عَصَبةً، فَقُتِلَ، فقِتْلَةٌ جاهلية، ومَن خرج على أمتي، يَضربُ بَرَّها وفاجِرَها، ولا يتحاشى مِن مؤمنها، ولا يَفِي لذي عهدٍ عَهدَهُ، فليس مني ولستُ منه).

والراية العُمِّيَّة هي عندما تتعدد الرايات، لا يُدرَى أيها التي ينبغي أنْ يُصار إليها، فَيَحارُ الشابُّ بين راياتٍ متعدِّدة، ويكون اندفاعُه وانضمامُه إلى جماعةٍ من هذه الجماعات بدوافع نفسانية وميولٍ قلبية، أي بحُكْم أنَّ زميلًا دلَّه عليها، وحسَّنها إليه، فهذا هو الأمر الأعمى الذي لا يَستبين وَجْهُهُ إلا بهوى النَّفس وشهوتِها، قال الإمام النووي: (ومعناها أنه يقاتل لشهوةِ نفسِهِ، وغَضْبَةٍ لها).

وقَبْلَه قال القاضي عياض: (وفي معناها الرواية الأخرى، أي أنه إنما يقاتِلُ لشهوةٍ منه، وغَضَبِهِ لنفسِهِ أو لقومِهِ وعصبيَّته، هذا والله أعلم في الخوارج وأشباهِهم من القرامطة). ومن أجل هذا سمَّاهم علماؤنا: «أهل الأهواء» لأنهم يفسِّرون النصوص القرآنية والأحاديث النبوية بما تشتهيه نفوسُهم وأهواؤهم القلبيَّة، ثم قال القاضي عياض: (ومعنى «ولا يتحاشى مِن مُؤمنها» أي لا يَكترثُ بما يفعلُه، ولا يَحذَرُ مِن عُقباه). وهذا واقعُ هؤلاء الذين يَقتُلون ثم يُكبِّرون طرَبًا بما يظنُّونه نصرًا، ولا يكترثون بما أفضَتْ إليه أفعالُهم، من النساء اللائي تَرَمَّلْنَ ولا الأطفال الذين يُتِّموا وشرِّدوا.

* قصة أبي بصير رضي الله عنه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما قام به منفردًا ضد المشركين، يتكئ عليها البعض في مسألة جواز الجهاد دون ولاية ولا راية، كيف نرد على هذه الشبهة؟

- قصة أبي بصير بن أسيدٍ الثَّقَفِيِّ - رضي الله عنه - لا دلالة فيها على ذلك، وأنا أُوجزُها بما يناسب هذا الحوار، ذلك أنه كان من بين شروط صلح الحديبية أن مَن جاء من المشركين مسلمًا، أنْ يُردَّ عليهم، فكان أنْ أسلمَ أبا بصير، فقدِمَ مهاجرًا فارًّا بِدِينه، فأرسل المشركون رجلين منهم يطلبونه، فوفَّى رسول الله صلَّى الله عليه وسلم العهد، وسلَّمَه لهما، فخَرجا به، ثم إنه وقد علمَ أنهم سيؤذونه، احتالَ ليدْرَأ عن نفسه التعذيب والقتل، فقتل أحدَهما، وهرب الآخر، ثم رجع إلى المدينة المنورة، فقال له رسول الله -صلَّى الله عليه وسلم - كلامًا فَهِمَ منه أنه سيردُّه إليهم لو طلبوه، فخرج إلى ساحل البحر، فصارَ كلُّ مَن يُسلمُ يَلتحق بأبي بصير، حتى اجتمع عددٌ يزيد على الأربعين، فكانوا يعترضون عِيرَ قريش إلى الشام، من أجل أن تتأذَّى قريشٌ من ذلك، فتُلغي هذا الشرط، وهذا ما حصل، فأرسلتْ قريشٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنَّ مَن أتاه فهو آمن، وقد ذكر الفقهاءُ كالخطَّابي وغيرُه أن أبا بصيرٍ ومَن معه لم يكونوا تحت حكم المسلمين، فلا سُلطانَ للمسلمين عليهم، وإنما هم جماعة فَرُّوا بدينهم من المشركين، فإن لَجؤوا للمدينة فليس أمام المسلمين إلا تسليمهم للمشركين إنْ طلبوهم، التزامًا بالمعاهدة، وإن أمسك بهم المشركون عذَّبوهم وربَّما قتلوهم، فلم يكن لهم سبيلٌ لتخليصِ أنفُسِهم من المشركين إلا بهذا العمل، فكان لهم أنْ يَتخلَّصوا من إذايةِ المشركين، إما بأخْذِ أموالهم، أو بإحراق دورهم، أو بقتلهم، فبهذا الحديث وغيره استدلَّ الفقهاءُ على أنَّ للأسير أنْ يَخدع المشركين أو يقتلهم، حتى يتخلَّص منهم وينجو، وأن تصرُّفه هذا ليس فيه نقضٌ للمعاهدة، لأنه ليس تحت حكم المسلمين.

* حديث البخاري: (إنما الإمام جُنَّة يقاتل من ورائه ويتقى به)، أليس هذا دليلاً على وجوب - وجود إمام وراية؟

- حديث (إنما الإمام جُنَّة يقاتَلُ مِن ورائِهِ ويُتَّقى به) يفيد أن الإمام كالسَّاتِر الذي يمنع العدوَّ مِن إذاية المسلمين، ويَحمي الناسَ، لئلاَّ يُخطئ بعضُهم على بعض، لأن الناس يخافون سَطْوَتَه، فلا يَعتدِي بعضُهم على بعض، ولا يتعارضُ هذا مع وجوب إنكار المنكر، بمراتبه المعروفة، شريطةَ ألاَّ يؤدِّي النُّصحُ والإنكار إلى دَفْع البلاد إلى فوضى، بشقِّ العصا وتفريق الجماعة.

تعليقات

{{comment.UserName}} {{comment.CreationTime | date : "MMM d, y - h:mm:ss a"}}

{{comment.Description}}

إضافة تعليق

;