logo

التوسل: المشروع والممنوع (11)

التوسل: المشروع والممنوع (11)

  • الشيخ الدكتور عواد بن عبد الله المعتق
  • 2023/11/16
  • 1 تعليق
  • 1132 قراءة

شبهاتهم فيما استدلوا به من السنة والآثار

الشبهة الخامسة:

عن أنس بن مالك قال:  لما ماتت فاطمة بنت أسد بن هاشم أم علي رضي الله عنهما، دعا أسامة بن زيد وأبا أيوب الأنصاري يحفرون قـبرها، فلما فـرغ دخل رسول الله صلى الله عليه وسـلم، فاضطجع فيه ثم قال: \"الحمد لله الذي يحيي ويميت، وهو حـي لا يموت، اغفر لأمـي فاطمـة بنت أسد، ولقنها حجتها، وأوسع عليها مدخلها، بحق نبيك والأنبياء الذين من قبلي، فإنك أرحم الراحمين...\" الحديث (رواه الطبراني)(1). وممن استدل به أحمد دحـلان(2) والزهاوي(3) والعظمي(4) وموسى محمد علي(5).

وجـه الاستدلال: قـالوا ورد في الحديث \"وأوسـع عليها مدخلها بحق نبيك والأنبياء الذين من قبلي...\" وفي ذلك توسل بذاته وبإخوانه النبيين(6). يقول موسى محمد علي: \"ففي هذا الحديث توسله عليه الصلاة والسلام إلى ربه بذاته وبإخوانه من النبيين\"(7).

الجواب:

الحديث غـير صحيح(8)؛ لأن في سنده روح بن صلاح وقد تفرد به كما قال أبو نعيم(9)، واتفقت عبارات كثير من أئمة الجرح على تضعيف روح. يقول ابـن عدي: \"روح بـن صـلاح ضـعيف\"، وقـال الدارقطني: \"ضعيف في الحديث\"، وقال ابن ماكولا: \"ضعفوه\"، وقال أبو يونس: \"رويت عنه مناكيـر\"، وقـال ابن عدي بعد أن خرج له حديثين \"ولروح أحاديث ليست بالكثيرة، وفي بعض حديثه نكرة\"(10). وذكره ابن الجوزي في الضعفاء والمتروكين(11). وقال الشيخ الألباني بعد أن ذكر كلام بعض الأئمة فيه: \"فأنت ترى أئمة الجرح قد اتفقت عباراتهم على تضعيف هذا الرجل، وبينوا أن السبب روايته المناكير، فمثله إذا انفرد بالحديث يكون منكرا لا يحتج به\"(12). وقال الشيخ عبدالرحمن الدوسري: \"هذا الحديث لا يصح دراية، فـإن صيغة متنه وركاكـة ألفاظه وما فيه من المبالغة مما يدل على عـدم ثبوته، زيادة على غرابته وما في سنده من الضعف الذي تكلم عليه المؤلف\"(13).

ممـا ذكر اتضح أن الحديث لا يصح دراية ولا رواية، وإنما هو منكر لا يحتج به. والله أعلم.

الشبهة السادسة:

عن عمر بن الخطاب مرفوعا: \"لما اقترف آدم الخطيئة قـال: يا رب أسألك بحـق محمد لما غفرت لي، فقال الله: يا آدم، وكيف عرفت محمدا ولم أخلقه؟ قال: يا رب لأنك لما خلقتني بيدك، ونفخت في من روحك، رفعت رأسي فرأيت على قوائم العرش مكـتوبا لا إله إلا الله محمد رسول الله، فعلمت أنك لم تضف إلى اسمك إلا أحـب الخلق إليك، فقال الله: صدقت يا آدم إنه لأحب الخلق إلي، ادعني(14)  بحقه فقد غفرت لك، ولولا محمد ما خلقتك\"(أخرجه الحاكم)(15).

يقول أحمد دحلان: \"وقد توسل به صلى الله عليه وسـلم أبوه آدم عليه السلام قبل وجود سيدنا محمد صلى الله عليه وسـلم حين أكل من الشجرة التي نهاه الله عنها\"(16) ثم ساق الحديث.

الجواب:

أولا: الحديث موضوع كما قال الذهبي(17) وغيره، فلا تقوم به حجة. يقول الذهبي: \"عبدالله بن مسلم أبو الحارث الفهري روى عـن إسماعيل بن مسلمة بن قعنب عن عبدالرحمن بن زيد بن أسلم خـبرا باطلا، فيه (يا آدم لولا محمد ما خلقتك)(18)، وكذا قال الحافظ ابن حجر في اللسان(19).

وقال البيهقي: \"إنه تفرد به عبدالرحمن بن زيد بن أسلم وهو متهم بالوضع رماه بذلك الحاكم\"(20)، ولا نغـتر برواية الحاكم لهذا الحديث، فإنه مما أنكره عليه العلماء وعدوه تناقضا منه. يقول ابن تيمية: \"ورواية الحاكم لهذا الحديث مما أنكر عليه، فإنه نفسه قد قال في كتاب المدخل إلى معرفة الصحيح من السقيم: وعبدالرحمن بن زيد بن أسلم روى عن أبيه أحاديث موضوعة لا يخفى على من تأملها من أهل الصنعة أن الحمل فيها عليه. قـلت(21): وعبدالرحمن بن زيد بـن أسلم ضـعيف باتفاقهم، يغلط كـثيرا، ضعفه أحمد بن حنبل وأبو زرعة وأبو حاتم والنسـائي والدارقطني وغيرهـم، وقال أبو حاتم بن حبان: كان يقلب الأخبار وهو لا يعلم، حتى كثر ذلك من روايته، فاستحق الترك، وأما تصحيح الحاكم لمثل هذا الحديث وأمثاله فهذا ما أنكره عليه أئمة العلم بالحديث، وقالوا: إن الحاكم يصحح أحاديث وهي موضوعة مكذوبة عند أهل المعرفة بالحديث(22). ومما يؤكد بطلان هذا الحديث أنه يخالف كتاب الله في موضعين:

الأول: أنه تضمن أن الله غفر لآدم بسبب توسله بمحمد صلى الله عليه وسـلم، والله يقول: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}[البقرة:37]. وقـد جاء تفسير هذه الكلمات عن ابن عباس بما يخالف هذا الحديث، فقد أخرج الفريابي وعبد بن حميد، وابن أبي الدنيا، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والحاكم، وابن مردويه عن ابن عباس في قولـه: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ}، قال: أي رب ألم تخلقني بيدك؟ قال: بلى، قال: أي رب ألم تنفخ في من روحك؟ قال: بلى، قال: أي رب ألم تسبق إلي رحمتك قبل غضبك؟ قال: بلى، قـال: أي رب ألم تسكني جنتك؟ قال: بلى، قال: أي رب أرأيت إن تبت وأصلحت أراجعي أنت إلى الجنة؟ قال: نعم، قال: فهو قوله: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ}، وقال الحاكم: صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي(23).

وأخرج الثعلبي، وابن المنذر عن ابن عباس في قوله: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ}. قال: قوله: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}.

وأخرج وكيع وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عن مجاهد مثله، وأخرج عبد بن حميد عن الحسن والضحاك مثله، وأخرج ابن جرير عن مجاهد وقتادة وابن زيد مثله، وبهذا قال كثير من المفسرين كابن جرير، وابن سعدي، والسيد محمد رشيد رضا، وأبي بكر الجزائري.

ويؤيده قوله تعالى: {قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}[الأعراف:23]، ولا منافاة بـين القولـين، بل أحدهما يتمم الآخر، ذلك أنها كلها من الكلمات. يقول ابن جرير: \"حدثني المثنى قال: حدثنا آدم العسقلاني قال: حدثنا أبو جعفر عن الربيع عن أبي العالية في قوله: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ}، قال: إن آدم لما أصاب الخطيئة قال: يا رب، أرأيت إن تبت وأصلحت، فقال الله: إذا أرجعك إلى الجنة، فهي من الكلمات، ومن الكلمات أيضا {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}(24).

وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر والبيهقي في شعب الإيمان عن قتادة في قوله: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ}. قال: \"ذكر لنا أنه قال: يا رب أرأيت إن تبت وأصلحت؟ قال: فإني إذن أرجعك إلى الجنة. {قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}. وبذلك ثبتت مخالفة هذا الحديث للقرآن، فتأكد بطلانه.

الثاني: كذلك مما يؤكد بطلانه قوله في آخره (ولولا محمد ما خلقتك)، والله يقول: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}[الذاريات:56]، فالآية تفيد أن الحكمة من الخلق إنما هي عبادة الله وحده لا شريك له، لا من أجل ملك مقرب ولا نبي مرسل(25).

ثانيا: على افتراض أن هذا الحديث ضعيف فقط -كما يزعم بعض المخالفين- فلا يجـوز الاستدلال به على مشروعية التوسل المختلف فيه؛ لأنه على قولهم عبادة مشروعة، وأقل أحوال العبادة أن تكـون مستحبة، والاستحباب حكم شرعي من الأحكام الخمسة التي لا تثبت إلا بنص صحيح تقوم به الحجة، فإذا كان الحديث عندهم ضعيفا فلا حجة فيه البتة(26). وبذلك اتضح بطلان هذه الشبهة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1)             في المعجم الكبير ج 24 ص 351، 352 برقم 871 والأوسط ج 1 ص 152، 153 برقم 191.

(2)             انظر : الدرر السنية ص 7.

(3)             انظر : الضياء الشارق ص 535.

(4)             انظر : كشف غياهب الظلام ص 267.

(5)             انظر حقيقة التوسل والوسيلة ص 49.

(6)             انظر : الدرر السنية ص 7 وحقيقة التوسل والوسيلة ص 49.

(7)             حقيقة التوسل والتوسل ص 49.

(8)             انظر : التوصل ص 235.

(9)             حلية الأولياء ج 3 ص 121.

(10)        انظر الكامل لابن عدي ج 3 ص 146 ولسان الميزان ج 2 ص 573، 574.

(11)        الضعفاء والمتروكين لابن الجوزي ج1 ص 287.

(12)        سلسلة الأحاديث الضعيفة ج 1 ص 33 وانظر التوسل للألباني ص 111.

(13)        انظر : صيانة الإنسان ص 129 "" المتن والحاشية"".

(14)        كذا في المستدرك، وفي شفاء السقام : وإذ سألتني بحقه.

(15)        المستدرك ج 2 ص 615.

(16)        الدرر السنية ص 9.

(17)        التلخيص للذهبي (حاشية المستدرك ج 2 ص 615).

(18)        ميزان الاعتدال ج 4 ص 199.

(19)        ج 3 ص 442.

(20)        التوسل للألباني ص 117.

(21)        ابن تيمية.

(22)        قاعدة جليلة ص 85.

(23)        المستدرك ج 2 ص 545 والتلخيص للذهبي ج 2 ص 545.

(24)        تفسير ابن جرير ج 1 ص 193 وانظر : تفسير ابن كثير ج 1 ص 81.

(25)        انظر : التوسل للألباني ص 125- 127.

(26)        التوسل للألباني ص 127، 128، وصيانة الإنسان ص 135- 142.

تعليقات

{{comment.UserName}} {{comment.CreationTime | date : "MMM d, y - h:mm:ss a"}}

{{comment.Description}}

إضافة تعليق

;