logo

التوسل: المشروع والممنوع (9)

التوسل: المشروع والممنوع (9)

  • الشيخ الدكتور عواد بن عبد الله المعتق
  • 2023/11/16
  • 3 تعليق
  • 567 قراءة

شبهاتهم فيما استدلوا به من السنة والآثار

الشبهة الثانية:

حديث الضرير، وهو ما روي عن عثمان بن حنيف رضي الله عنه: «أن رجلا ضرير البصر أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ادع الله أن يعافيني. فقال: \"إن شئت دعوت لك وإن شئت أخرت ذاك فهو خير\". وفي رواية \"وإن شئت صبرت فهو خير لك\"، فقال: ادعه: فأمره أن يتوضأ فيحسن وضوءه ويصلي ركعتين ويدعو بهذا الدعاء: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة، يا محمد إني توجهت بك إلى ربي في حاجتي هذه لتقضى لي، اللهم فشفعه في\" قال: ففعل الرجل فبرأ»(1) وقد استدل به السبكي(2)، والزهاوي(3)، وأحمد دحلان(4( على جواز التوسل بالذات أو الجاه.

وجه استدلالهم: قالوا الحديث يدل على جواز التوسل بذات أو جاه النبي صلى الله عليه وسلم أو غيره من الصالحين، إذ فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم علم الأعمى أن يتوسل به في دعائه. حيث أمره أن يدعو بهذا الدعاء \"اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك\"، وقد فعل الأعمى ذلك فبرأ(5).

يقول الزهاوي: بعد أن ساق هذا الحديث: \"فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم الرجل الضرير أن يناديه ويتوسل به إلى الله في قضاء حاجته\"(6) ويقول أحمد دحلان: \"ومن الأحاديث الصحيحة التي جاء التصريح فيها بالتوسل ما رواه الترمذي، ثم ساق الحديث، وقال: ففي هذا الحديث التوسل والنداء أيضا\"(7).

الجواب:

يقال لهم استدلالكم بهذا الحديث على جواز التوسل بذات أو جاه النبي صلى الله عليه وسلم أو غيره استدلال خاطئ، فالحديث إنما يدل على مشروعية التوسل بدعاء الصالح الحي لا غير، وذلك لما يلي:

1-  أن الأعمى إنما جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليدعو له، بدليل قوله: «ادع الله أن يعافيني»(8) ولو كان قصده التوسل بذاته صلى الله عليه وسلم أو جاهه لما احتاج منه المجيء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، بل ممكن أن يتوسل بذات النبي صلى الله عليه وسلم أو جاهه وهو في بيته أو في أي مكان، فمجيئه وطلبه من الرسول أن يدعو له دليل واضح على أنه إنما توسل بدعائه صلى الله عليه وسلم.

2-  أن النبي صلى الله عليه وسلم خيَّره بين الدعاء وبين أن يصبر مع بيان فضيلة الصبر ونصحه به، حيث قال: «إن شئت دعوت لك وإن شئت صبرت فهو خير لك»(9(.

3-  إصرار الأعمى على الدعاء بقوله: ادعه، فهذا يدل على أنه اختار الدعاء، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم دعا له؛ لأنه وعده بقوله: «إن شئت دعوت لك»(10) وقد شاء الدعاء وأصر عليه فإذا لا بد أنه صلى الله عليه وسلم قد دعا له فهو خير من وفى بما وعد، ولحرصه صلى الله عليه وسلم على أن يستجيب الله دعاءه له، وجهه إلى عمل صالح يقدمه بين يدي دعائه صلى الله عليه وسلم ليكون أحرى بالقبول، حيث أمره أن يتوضأ ويصلي ركعتين ثم يدعو لنفسه بدعاء علمه الرسول صلى الله عليه وسلم إياه.

4-  ورد في الدعاء الذي علمه الرسول صلى الله عليه وسلم إياه \"اللهم فشفعه في»(11) وهذا صريح في أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد دعا له، وأن توسله إنما كان بدعائه، فهو يدعو أن يقبل الله دعاء نبيه له فقوله \"اللهم فشفعه في \" معناه: اللهم اقبل شفاعته صلى الله عليه وسلم - أي اقبل دعائه - في أن ترد علي بصري، ولو كان توسل بذاته أو جاهه لم يكن لهذا فائدة ولا معنى في الحديث، وهذا مردود، كذلك ما يستلزمه. قال شيخ الإسلام بعد أن ذكر الحديث: \"فهذا توسل بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم وشفاعته، ودعا له النبي صلى الله عليه وسلم ولهذا قال: \"وشفعه\" فسأل الله أن يقبل شفاعة رسوله فيه وهو دعاؤه\"(12(

5-  أن هذا الحديث قد ذكره العلماء في معجزات النبي صلى الله عليه وسلم ودعائه المستجاب، مما يدل على أن التوسل فيه توسل بالدعاء، وأن السر في شفاء الأعمى إنما هو دعاء النبي صلى الله عليه وسلم، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: \"فإنه صلى الله عليه وسلم ببركة دعائه لهذا الأعمى أعاد الله عليه بصره\"(13) أما ما تضمنه الدعاء من قوله: \"أسألك بنبيك\" فالمراد بدعاء نبيك بدليل طلبه من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يدعو له، وبدليل قوله في دعائه \"اللهم فشفعه في\"، فهذا يقتضي أنه صلى الله عليه وسلم سيدعو له، فهو دعاء في أن يقبل الله دعاء النبي صلى الله عليه وسلم له- كما تقدم بيانه آنفا.

أضف إلى ذلك أن التوسل بالشخص في مفهوم الصحابة وعرفهم إنما هو طلب الدعاء منه حال حياته، أما التوسل بالجاه أو الذات فهم لا يقرونه؛ لأنه من مفاهيم الجاهلية التي بعث صلى الله عليه وسلم لأجل القضاء عليها، وعليه فالحديث إنما يدل على التوسل بالدعاء لا بالجاه أو الذات كما يزعمون. قال شيخ الإسلام: \"وحديث الأعمى لا حجة لهم فيه، فإنه صريح في أنه إنما توسل بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم وشفاعته\"(14).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1)             أخرجه أحمد في المسند برقم 17240، ورقم 17241، انظر المسند ج 28 ص 478، 479 والترمذي برقم 3573 في الدعوات، باب من أدعية الإجابة وإسناده صحيح، وقد صححه غير واحد من العلماء- انظر: جامع الأصول حديث 2375 (المتن والحاشية(.

(2)             انظر: شفاء السقام ص 139، 140.

(3)             الضياء الشارق ص 537.

(4)             الدرر السنية ص 8، 9.

(5)             انظر: التوسل للألباني ص 76.

(6)             الضياء المشارق ص 537.

(7)             الدرر السنية ص 8.

(8)             سنن الترمذي الدعوات (3578)، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1385)، مسند أحمد (4/138(.

(9)             سنن الترمذي الدعوات (3578)، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1385)

(10)        سنن الترمذي الدعوات (3578)، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1385)، مسند أحمد (4/138(

(11)        سنن الترمذي الدعوات (3578)، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1385(

(12)        قاعدة جليلة ص 92.

(13)        الفتاوى ج 1 ص 266.

(14)        قاعدة جليلة ص 64.


تعليقات

{{comment.UserName}} {{comment.CreationTime | date : "MMM d, y - h:mm:ss a"}}

{{comment.Description}}

إضافة تعليق

;