حوار مع فضيلة الشيخ صَفِيّ الرَّحمن المُبَارَكْفُورِيّ
- اللجنة العلمية لموقع دعوة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام
- 2023/11/16
- 0 تعليق
- 114 قراءة
هو صفيّ الرحمن بن عبد الله بن محمد أكبر بن محمد علي بن عبد المؤمن بن فقيرالله، المُبَارَكْفُورِيّ، الأَعْظَمِيّ.
أحد علماء الحديث في الهند. تميز بعلمه الغزير، وتواضعه الجم، وقد شارك في ندوات ومحاضرات في مختلف أرجاء الهند، وفي الولايات المتحدة، والمملكة العربية السعودية، وكثير من الدول الأخرى.
عمل بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة لمدة عشر سنوات ابتداءً من عام 1988. عمل على تأليف العديد من الكتب القيمة باللغتين العربية والأردية وأشهرها \"الرحيق المختوم\" (في السيرة النبوية).
فضيلة الشيخ: نود منكم بداية أن تصفوا لنا تصوركم للوضع الحالي الذي يعيشه العالم الإسلامي شعوبًا وأفرادًا مع بيان أهم التحديات التي تواجه المسلمين اليوم؟
بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه وبعد:
لا شك أن التحديات التي تواجه العالم الإسلامي اليوم، أفرادًا كانوا أو شعوبًا، كثيرة جدًا والحديث عنها قد يأخذ وقتًا طويلاً وجهدًا كبيرًا.
ومن المسلم به أن ما يعتري الأمة اليوم من ذلة وهوان وما يهددها من مخاطر إنما حصلت في فترة سمتها الضعف العام والانكسار الشامل والهزيمة النفسية والعسكرية على حد سواء، وفي نظرنا أن مرد هذا كله سببه الرئيسي هو ترك واجب الولاء والبراء.
الشيخ صفي الرحمن المباركفوري من رواد الدعوة السلفية المعاصرة، وأحد رموزها البارزين، فما تقويمه لمسيرة هذه الدعوة؟
لا شك أن الدعوة السلفية المعاصرة قد حقق الله بها خيرًا كثيرًا في مجال العقيدة والتربية والتعليم والإتباع، حيث واجهت هذه الدعوة كثيرًا من العقائد المنحرفة بقوة الحجة والأدلة ووضوح المعتقد السلفي، فأحدثت تجديدًا ملحوظًا في نفوس الناس وتصوراتهم، وقللت نسبة الخرافة ومظاهر الانحراف، وكثر المناصرون لها من أهل التوحيد، وكذلك كثرت المراكز العلمية التي تعني بالعلم الشرعي وتفقيه الناس بدينهم وكثر الخطباء والوعاظ والدعاة من مختلف هذه المراكز العلمية المباركة وظهر حرص كثير من الشباب على إتباع السنة قولًا وعملًا، فلله الحمد.
هذا عن إيجابيات الدعوة السلفية المعاصرة، فماذا عن التشرذم الحاصل بين أبنائها وما الطرح الذي ترونه لمعالجة ذلك؟
على كل حال، ففي حملة هذه الدعوة ما في غيرهم من منافذ لتسلل الخطأ إلى فرد أو مجموعة، لأن العصمة للمنهج السلفي وليست لأفراد أو مجموعة من حملة هذا المنهج، ولكن كما قال تعالى: }فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً{ [النساء: 59].
فبذلك يحاصر الخطأ ويبقى المنهج العام والخط الواضح هو إتباع الدليل من القرآن والسنة، وأما معالجة التشرذم: فيكون بتحقيق أصول أهل السنة وجعلها مناط الاجتماع والافتراق، وفصلها (أي هذه الأصول) عن مسائل الاجتهاد التي تختلف فيها الأنظار والاجتهادات فلا يشنع على المخالف فيها ويفارق من أجلها.
نريد فضيلة الشيخ أن تحدثونا انطلاقًا من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم عن التصور التطبيقي للعملية الإدارية بوصفها أداة تعين في النهوض بالدعوة وهل الفوضوية و\"اللاإدارية\" يمكنها تحقيق هذا النهوض؟
لابد في الواقع الدعوى المعاصر من ضرورة التفهم للمتغيرات التي حدثت وتحدث ومن ضمنها بروز التكتلات، بحيث تتطور أساليب الدعوة بتطور المتغيرات، ولذلك نرى أنه من الواجب أن يكون التصور التطبيقي للدعوة قائمًا على حسن الإدارة، وذلك من باب ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، فالفوضوية والفردية لا يمكنها أن تحقق نهوضًا ولا أن تقيمه، والمتتبع للسيرة النبوية يلحظ الكثير من استعمالات النبي صلى الله عليه وسلم للآليات المتبعة في تنظيم وإدارة المشاريع الدعوية والحضارية كاعتماده آلية الإحصاء قبل الهجرة واعتماده الأصول الثلاثة التي قامت عليها الدولة الإسلامية الناشئة في المدينة وأعني بها \"وثيقة المدينة، تأسيس المسجد، توثيق عرى الأخوة\" وغيرها كثيرٌ لا يتسع المجال لتتبعه.
شيخنا الفاضل: عدم مراعاة منهج أهل السنة والجماعة مع المخالفين من أبرز سمات تيار عريض من أبناء الدعوة السلفية، فما أبرز مقومات ذلك المنهج لدى سلفنا الصالح من وجهة نظركم؟
أبرز مقومات ذلك المنهج السلفي العظيم في التعامل مع المخالف:
1/الرسوخ في العلم، فأنصاف المتعلمين يفسدون أكثر مما يصلحون.
2/تحرير محل النزاع والابتعاد عن الإجمال والإبهام والتهويش على المخالف.
3/العدل في الحكم على المخالف ولو جار عليك وظلمك. قال تعالى:}وَأُمِرْتُ لأعْدِلَ بَيْنَكُمُ{[الشورى: 15]. هذا مع أهل الملل، فما بالك مع الفصائل الإسلامية الدعوية.
4/حسن الظن بالداعية المسلم وحمل كلامه على ما أراد، لا على ما تريد أنتَ من التشنيع عليه وتحميل كلامه ما لا يحتمل، نظرًا لما نعلمه من مقصده الحسن وسابقته في الإسلام والدعوة.
5/ الحرص على أن يكون القصد من الحوار جمع كلمة المسلمين وتوحيد صفوفهم، لا أن يكون تشقيق العمل الإسلامي وتقسيمه هدفًا من الحوار والردود.
6/المحافظة على بقاء الولاء والمناصرة، وألا تجعل الردود على المخالف وسيلة للقضاء على هذا الأصل العظيم: }إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ{ [الأنفال: 73].
7/ الشهادة والاعتراف بما أحسن فيه المخالف وأجاد ووافق فيه الحق، لقوله تعالى: }وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ{ [ البقرة: 143]. ولا نتعامل مع بعضنا بالمبدأ اليهودي والنصراني الذي حكاه القرآن الكريم: }وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَىَ شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ{ [البقرة: 113].
هذا ما أستحضره في أصول المنهج السلفي في الرد على المخالف.
تصدر الأحداث للدعوة والفتوى، وعدم ترتيب الأولويات، وعدم التربية على العمل بالعلم والتحلي بآدابه، وعدم مراعاة منهج السلف في النقد للآخرين والتعامل معهم، وضعف فقه إنكار المنكر وعدم إنزال الناس منازلهم .. ونحو ذلك مخاطر حقيقية داخلية تواجه الدعوة السلفية .. مع عدم قولنا بالتعميم .. فما تعليقكم فضيلة الشيخ؟ وهل من كلمة موجزة توجهونها لأبناء التيار السلفي عامة في هذا الصدد؟
ما ذكرته في سؤالك من تصدر الأحداث للدعوة والفتوى، وكذلك للجرح والتعديل... إلخ. هذه مصيبة عظيمة وخطورة كبيرة، وتقع المسؤولية المباشرة في ذلك على العلماء المتصدرين للتعليم والفتوى والتربية، فكل عالم عليه مسؤولية توجيه طلبته التوجيه السليم، وإلا فإثمهم عليه، لأنه لم يمنعهم من الوقوع في الأخطاء، لأنهم غير مؤهلين، بل (ترك لهم الحبل على الغارب)، وعلى أبناء الدعوة السلفية الإقبال على إصلاح أنفسهم، وتكميل تربيتهم على الحق والعدل والرحمة، والتأسي بمنهج الرسول صلى الله عليه وسلم في اللين والحكمة والعدل والإنصاف واحترام أهل العلم والدعوة، قال عليه الصلاة والسلام: \"ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا ويعرف لعالمنا حقه\".[صحيح الجامع :5443(.
وكذلك من الخطأ أن يتصدى للدعوة من لا يفقه مراتب المصالح والمفاسد، ولا يعرف كيف يتعامل مع المصالح والمفاسد عند التزاحم، فربما أنكر منكرًا بطريقة تؤدي إلى منكر أكبر، وربما والى وعادى على مسألة فترتب على ذلك فساد عظيم، وربما تشدد في مسألة وتهاون فيما هو أعظم .. وأمثال ذلك من الأمور التي يفتقد كثير من هؤلاء حيالها ميزان العلم والعدل والتقوى وفقه خير الخيرين وشر الشرين، والمسؤولية تقع اليوم على المربين والعلماء لتدارك مثل هذا الانحراف، وإلا فالمخاطر عظيمة والله أعلم.
( نشر بموقع المشكاة)
تعليقات
{{comment.UserName}} {{comment.CreationTime | date : "MMM d, y - h:mm:ss a"}}
{{comment.Description}}
إضافة تعليق