logo

مناظرات واصل الدمشقي مع بشير البَطْرِيق والنصارى (1/3)

مناظرات واصل الدمشقي مع بشير البَطْرِيق والنصارى (1/3)

  • اللجنة العلمية لموقع دعوة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام
  • 2023/11/16
  • 0 تعليق
  • 47 قراءة

قال ابن عساكر في تاريخ دمشق:

أُسِرَ غلامٌ من أبناء بَطَارِقَة الرُّوم (والبطارقة جمع بَطْرِيق، والبَطْرَق والبَطْرَك معرَّب اللفظ Patricius بمعنى القائد، وأحيانا يُطلق على رؤساء الأساقفة على أقطار معينة أو على طائفة من طوائف النصارى)، فلما صاروا إلى دار الإسلام وقع إلى الخليفة -وذلك في ولاية بني أمية- فسماه بشيرًا، وأمر به الكُتَّاب، فكتب وقرأ القرآن، وروى الشعر، وقاس، وطلب الأحاديث، وحَجَّ.

فلما شبَّ وبلغ هرب مرتدًا من الإسلام إلى أرض الروم. فأُتِيَ به إلى الملك فسأله عن حاله، وما كان فيه، وما الذي دعاه إلى الدخول في النصرانية؟ فأخبره برغبته فيه. فعَظُمَ في عَين الملك، فرَأَّسه وصيَّره بَطْرِيقًا من بَطَارِقَتِهِ وأقطعه قُرًى كثيرة.

ثم أُسِرَ ثلاثون رجلًا من المسلمين، فلما دخلوا على \"بَشير\" سائلهم رجلًا رجلًا عن دينهم، وكان فيهم شيخ من أهل دمشق يقال له \"واصل\"، فسأله بشير، فأبى الشيخ أن يرد عليه شيئًا!

 فقال بشير: ما لك لا تجيبني؟

قال الشيخ: لستُ أجيبُكَ اليومَ بشيءٍ.

قال بشير للشيخ: إني سائلك غدًا فأعدَّ جوابًا، وأمره بالانصراف.

فلما كان من الغد بَعَثَ بشيرٌ فأُدخِلَ الشيخُ إليه.

قال بشير: الحمد لله الذي كان قَبْلَ أن يكونَ شيءٌ، وخلق سبع سماوات طباقًا بلا عَوْنٍ كان معه من خلقه، فعجبًا لكم معاشر العرب حين تقولون: }إِنَّ مَثَلَ عِيسَى? عِندَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ ? خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ{ [آل عمران: 59].

فسكت الشيخ.

 فقال له بشير: ما لك لا تجيبني؟

فقال: كيف أجيبك وأنا أسيرٌ في يدك، فإن أجبتُكَ بما تهوى أسخطتُ عليَّ ربي، وهلكتُ في ديني، وإن أجبتُكَ بما لا تهوى خِفْتُ على نفسي؟ فأعطني عهدَ الله وميثاقه وما أخذ النبيون على الأمم أنك لا تَغْدِرَ بي، ولا تمحل بي، ولا تبغِ بي باغيةَ سوء، وأنك إذا سمعتَ الحَقَّ تنقاد له.

فقال بشير: فلك عليَّ عهدُ الله وميثاقه وما أخذ الله  على النبيين وما أخذ النبيون على الأمم: أني لا أغدر بك، ولا أمحل (بك)، ولا أبغي بك باغية سوء، وأني إذا سمعتُ الحقَّ انقدتُ إليه.

قال الشيخ: أمَّا ما وَصَفْتَ من صفة الله فقد أحسنتَ الصفةَ، وأما ما لم يبلغ علمُكَ ولم يستحكم عليه رأيك أكثر، والله أعظم وأكبر مما وصفتَ، فلا يصف الواصفون صفته.
وأما ما ذكرتَ من هذينِ الرجلينِ فقد أسأتَ الصفةَ؛ ألم يكونا يأكلان الطعام ويشربان ويبولان ويتغوطان وينامان ويستيقظان ويفرحان ويحزنان؟

قال بشير: بلى.

قال الشيخ: فلم فرقتم بينهما؟

قال بشير: لأن عيسى ابن مريم كان له روحان اثنان في جسدٍ واحدٍ: روحٌ يعلمُ بها الغيوبَ، وما في قعر البحار، وما يتحات [يسقط] من ورق الأشجار، وروح يبرئ بها الأكمه والأبرص ويحيي بها الموتى.

قال الشيخ: روحان اثنان في جسد واحد؟

قال بشير: نعم.

قال الشيخ: فهل كانت القوية تعرف موضع الضعيفة منهما أم لا؟

قال بشير: قاتلك الله، ماذا تريد أن تقول إن قلتُ إنها لا تعلم؟ وماذا تريد إن قلتُ إنها تعلم؟
قال الشيخ: إن قلتَ \"إنها تعلم\" قلتُ: فما يغني عنها قوتها حين لا تطرد هذه الآفات عنها! وإن قلتَ \"إنها لا تعلم\" قلتُ: فكيف تعلم الغيوب ولا تعلم موضع روح معها في جسد واحد!

فسكت بشير.

قال الشيخ: أسألك بالله هل عبدتم الصليب مثلًا لعيسى ابن مريم أنه صُلب؟

قال بشير: نعم.

قال الشيخ: فبرضًى كان منه أم بسُخط؟

قال بشير: هذه أخت تلك، ماذا تريد أن تقول؟

قال الشيخ: إن قلتَ: \"برضًى منه\" قلتُ: ما نقمتم: أُعْطُوا ما سألوا وأرادوا! وإن قلتَ: \"بسُخْطٍ\" قلتُ: فَلِمَ تَعبدونَ ما لا يمنع نفسه!

ثم قال الشيخ لبشير: نشدتُك بالله: هل كان عيسى يأكل الطعام ويشرب ويصوم ويصلي ويبول ويتغوط وينام ويستيقظ ويفرح ويحزن؟

قال: نعم.

قال الشيخ: نشدتك بالله: لمن كان يصوم ويصلي؟

قال بشير: لله.

ثم قال بشير: والضارَّ النافع ما ينبغي لمثلك أن يعيش في النصرانية، أراك رجلًا قد تعلمتَ الكلام، وأنا رجلٌ صاحبُ سيفٍ، ولكن غدًا آتيك بمن يخزيك الله على يديه.

ثم أمره بالانصراف.

وللمناظرة بقية - بإذن الله - في الحلقتين القادمتين.

تعليقات

{{comment.UserName}} {{comment.CreationTime | date : "MMM d, y - h:mm:ss a"}}

{{comment.Description}}

إضافة تعليق

;